هل التحليل النفسي معاد لحزب الله؟
نشرت جريدة "النهار" اللبنانية مقالة بقلم "ميشال حاجي جورجيو" منقولة بدورها عن جريدة "لوريون لوجور" اللبنانية التي تصدر باللغة الفرنسية، بعنوان " خلافاً للخطاب السائد، سوف تتيح الحقيقة تجنّب العنف". تتضمن هذه المقالة مقابلة مع شوقي عازوري الاختصاصي بالتحليل النفسي.
ما ورد في هذه المقالة ملفت للانتباه، حيث أن المحلل النفسي قد استعمل أدواته للنيل من "حزب الله" تبعاً لما رأيته من خلال قراءتي لهذه المقالة.
تقول المقالة: " الحقيقة حول اغتيال رفيق الحريري ورفاقه التي ستعلنها المحكمة الخاصة بلبنان من خلال القرار الظنّي سوف تضع حداً للعنف حيث إنّها ستكشف وأخيراً هويّة المتّهمين، كما يؤكّد المحلّل النفسي شوقي عازوري، داحِضاً بذلك خطاب "حزب الله" الذي يعتبر أنّ المحكمة سوف تطلق العنان لعظائم الأمور. فعلى العكس تماماً، بحسب عازوري، التخلّي عن هذا المطلب المشروع والقانوني تحت تأثير الضغط هو الذي يمكن أن يقود إلى أعمال عنف من جانب أولئك الذين ظلّوا مسالمين حتى الآن. يحاول شوقي عازوري، مستعيناً بالتحليل النفسي، أن يفكّك ويشرح اللهجة العدائية جداً، والمهدِّدة أحياناً، التي يعتمدها "حزب الله" في الحديث عن المحكمة الخاصة بلبنان – بعيداً من المعطيات المحض سياسية والجيوبوليتيكية بالتأكيد".
يرفض المحلل النفسي خطاب "حزب الله" الذي يرى أن المحكمة الدولية، بكونها مسيسة هي أداة إسرائيلية تريد أن تطلق العنان لموجات العنف في المجتمع اللبناني. فالتحليل السياسي لطبيعة هذه المحكمة قد جعل "حزب الله" يتخوف من نتائج هذه المحكمة على الواقع اللبناني. أما المحلل النفسي شوقي عازوري فهو يرى أن عدم صدور القرار الإتهامي هو الذي سيؤدي إلى أعمال عنف، ويعيد هذا إلى أسباب نفسية. فالوضع اللبناني أصبح في مأزق مع المحكمة ذات الطابع الدولي. إن صدر القرار الإتهامي فهناك عنف وإن لم يصدر القرار فهناك عنف. ما الحل إذن؟ وكأني بالمحلل النفسي يريد أن يقول "فلنُحِلْ محاكمة المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى محكمة لبنانية". فحزب الله يقبل بهذه المحكمة وسوف يصدر عنها قرار إتهامي يقبل به من سيقومون بأعمال عنف لأسباب نفسية.!
ثم يضيف المقال: "التخلّي عن الحقيقة لا يضمن السلم الأهلي، بل يولّد رغبة في الانتقام ليس لدى أولئك الذين ظلّوا مسالمين حتى الآن، أي أقرباء الضحايا إنما أيضاً المجتمع اللبناني بكامله. أما معرفة الحقيقة فتفسح في المجال أمام المسامحة. والمثال الحديث الأبرز هو جنوب أفريقيا ولجان الحقيقة والعدالة والمسامحة".
حسناً فعل الكاتب بإحالتنا إلى جنوب أفريقيا، فهو ونحن نعلم أن ما يتحدث عنه الكاتب قد حدث بعد القضاء على النظام العنصري الذي كان قائماً في هذا البلد الإفريقي. أما ما يطلبه المحلل النفسي من حزب الله لا يتشابه مع المثل الذي أعطاه لأن حزب الله ومؤيديه لم يتمكنوا حتى الآن من القضاء على النظام العنصري القائم في فلسطين المحتلة. فليساعدنا الكاتب والمحلل النفسي للقضاء على إسرائيل ثم نعمل لهما ما يريدان.
ثم يضيف الكاتب: " لا أفهم لماذا لا يقبل "حزب الله" فكرة أن الاتّهام قد يُوجَّه إلى عناصر من الحزب – بانتظار إثبات التهمة عليهم أو سقوطها، وهذه مهمّة القضاء، وفي هذا الإطار يملك الحزب بالتأكيد كل الوسائل وهامش التحرّك الضروري للدفاع عن نفسه".
يظهر أن الكاتب لم يتمكن من الفصل بين حزب الله كمؤسسة والفرد الذي يتحدث عنه المحلل النفسي. فما ينطبق على الفرد لا ينطبق على المؤسسة. عندما نتهم فرداً من هذه المؤسسة لأسباب سياسية نكون كمن يقدم المؤسسة للمحاكمة. وتقديم حزب الله للمحاكمة هي خدمة مجانية لإسرائيل وتخلي مجاني عن تحرير الأرض اللبنانية المحتلة، مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ولا يفوتنا انعكاس ذلك على مقاومة الشعب الفلسطيني. لا شيء في الكون يساوي التخلي عن التحرير، فما بالكم إذا كان ما يقال عن هذا الموضوع هو مشكوك بمصداقيته بداية. لماذا لا يقبل السيد عازوري بمحاكمة قتلة الرئيس الحريري من قبل المحاكم اللبنانية. هل أن القضاء اللبناني قاصر عن القيام بهذه المهمة؟ وبذلك نكون قد حللنا المشكلة النفسية التي سوف تحول المجتمع اللبناني إلى مجتمع من القتلة كما يتخوف السيد عازوري.!
ثم تضيف المقالة: " منطق النائب نواف الموسوي هو ... دليل على التماهي الشديد لكل عضو في "حزب الله" مع الكتلة الأحادية التي يجسّدها الحزب، في شكل آلة توتاليتارية".
لا يكون السيد موسوي ديموقراطياً إلا إذا تخلى عن الدفاع عن حزبه. المؤسسة، أية مؤسسة، سواء كانت توتاليتارية أو ديموقراطية تنطبق عليها صفة المؤسسة. فهي، أي المؤسسة تملك آلياتها الخاصة التي تميز عملها كمؤسسة. فإضافة صفة ديموقراطية أو عدم إضافتها لا تغني عن الحق شيئاً. إن دفاع السيد الموسوي عن المؤسسة التي ينتمي إليها كدفاع السيد أوباما عن المؤسسة الديموقراطية التي يمثلها والتي قتلت مئات الآلاف في العراق وأفغانستان وفيتنام، هذا مع أنها ديموقراطية. وهي تتشابه مع المؤسسة الديكتاتورية الستالينية التي قتلت الآلاف فيما كان يُدعى سابقاً الإتحاد السوفياتي.
ثم يضيف الكاتب: " ما إن يقبل الشخص الإقرار بأنّه خسر شيئاً ما وبأنّ هذا الجزء في داخله سوف يُدفَن من دون أن يسعى إلى استعادته، يتأنسَن ولا يعود حاقداً على الآخر. وهكذا يسود السلام على الصعيد الفردي. وهناك من جهة أخرى البعد الاجتماعي للحداد، وهو أساسي للشخص الذي فقد عزيزاً، وهذا ما تُظهره الطقوس".
رائع جداً! وصفة رائعة من مختص! نسلم أبناءنا ثم نقيم لهم مأتم جماعي! ألا يرضي ذلك إسرائيل وزبانيتها؟ وهذه الوصفة مفيدة أيضاً للشعب الفلسطيني فهو أيضاً يمكنه أن يقيم ثلاثة أيام حداداً على الضفة الغربية ثم يسلمها لإسرائيل ونرتاح جميعاً مما يسمى المسألة الفلسطينية.
مساكين من يدّعون العلمية بأحاديثهم. فهم يصدقون الغرب عندما يقول أن العلم موضوعي. وهذا الكلام ليس صحيحاً فكل علم هو موضوعي بقدر ما هو معياري. نعم! لمذا لا يخدم العلم إلا من يكتشف قوانينه؟ ولا يعتقدن أحد أن العلوم الذي اخترعها الغرب الاستعماري تخدمنا. كلا! إن أي ظاهرة لها جوانب إيجابية وجوانب سلبية في الآن نفسه. ولكن عندما تكون جوانبها السلبية طاغية على الجوانب الإيجابية نقول أن هذه الظاهرة سلبية والعكس بالعكس. فالعلم الغربي الذي يخدم الليبيرالية الجديدة بشكل شبه مطلق ويسمح لنا بالتحدث بالهاتف الخليوي أو التخابر عبر الإنترنت، هذا لا يكفي حتى نقول أن العلم الغربي يخدمنا. إن السيد عازوري يريد أن يستخدم ما يسمى بالتحليل النفسي ليضغط على حزب الله باتجاه تغيير موقفه، على أن هذه الممارسة موضوعية أو علمية، ولكن هذا ليس صحيحاً مطلقاً.
ثم نصل إلى زبدة القول مع كاتبنا الكريم: " لن تقود الحقيقة في نهاية المطاف سوى إلى تفتيت عصبيّة "حزب الله" ودمجه في المجتمع اللبناني. يمكن تفسير الرفض الشديد للحقيقة في الوقت الحالي بأنّه رفض للاندماج في المجتمع اللبناني لأسباب سياسية مختلفة. سوف يقود القرار الظني حكماً إلى "لبننة" حزب الله. إنه يسعى إلى الحفاظ على "حقيقته" ككتلة أحادية في مواجهة الحقيقة التي ستؤدّي بكل تأكيد إلى "لبننته".
لم يتنبه الكاتب إلى أن مفهوم "اللبننة" قد طرأ عليه بعض التعديلات، وإلا كان تخلى عنه. فاللبننة ما قبل 2000 كان يعني تحويل لبنان إلى كازينو كبير أو إلى مرقص أو مرتع كبير يتسع لكل من يريد أن يروح عن نفسه. ولكن بعد سنة 2000 ، السنة التي انتصرت فيها المقاومة الإسلامية وحزب الله على إسرائيل، السنة التي تمكن فيها الشعب العربي والشعوب الإسلامية أن يتفرجوا على الجيش الإسرائيلي يهرب أمام الأهالي الذين لا يحملون السلاح، أصبحت اللبننة تعني: "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله". لا عودة إلى الوراء. حزب الله أخذ على عاتقه، هو وجميع المقاومين، أن يحرروا الأرض، لا أن يحولوا الوطن إلى مرقص. هذه المشاريع أصبحت من الماضي السحيق ودفنتها أيدي المقاومين الذين ينتظرون الظروف المناسبة لطرد الغازي المحتل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا كما ويتشوقون إلى رؤية الأقصى الأسير وقد تخلص من الأسر.
13 تشرين الأول 2010 حسن ملاط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق