بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الأحد، 17 أكتوبر 2010

من سيرة المصطفى – 8 –
الإغتيال السياسي
لقد تنبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى حساسية موضوع الإغتيال السياسي وخطورته، لذلك لم يسمح به طوال سني جهاده المباركة إلا مرتين فقط، وبظروف خاصة جداً. ولحسن الحظ أن من وقع عليهما الإغتيال كانا يهوديين.
كان كعب بن الأشرف من ألد أعداء النبي الكريم. وكان يعيش حياته بأمن وسلام، رغم عداوته المعلنة للمسلمين وللنبي عليه الصلاة والسلام. ولكن اعتداده بنفسه لما يتمتع به من قوة ومن جاه ومن أصل جعله يتجاوز ما نسميه اليوم بالخطوط الحمر. ومع أن القبيلة التي ينتمي إليها تتحمل أخطاء كل من ينتمي إليها، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تجاوز هذا الواقع ولم يتجه إلى معاقبة القبيلة التي ينتمي إليها. إلا أنه وافق على معاقبته بمفرده.
قال ابن إسحاق:‏‏ وكان من حديث كعب بن الأشرف:‏‏ أنه لما أصيب أصحاب بدر، وقدم زيد بن حارثة إلى أهل السافلة، وعبدالله بن رواحة إلى أهل العالية بشيرين، بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بالمدينة من المسلمين بفتح الله عز وجل عليه، وقتل من قتل من المشركين، كما حدثني عبدالله بن المغيث بن أبي بردة الظفري، وعبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعاصم بن عمر بن قتادة، وصالح بن أبي أمامة بن سهل، كل قد حدثني بعض حديثه، قالوا‏‏:‏‏ قال كعب بن الأشرف، وكان رجلاً من طيىء، ثم أحد بني نبهان، وكانت أمه من بني النضير، هذان حين بلغه الخبر‏‏:‏‏ أحق هذا‏‏؟‏‏ أترون محمدا قتل هؤلاء الذين يسمي هذان الرجلان - يعني زيدا وعبدالله بن رواحة - فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس، والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم، لبطن الأرض خير من ظهرها‏‏.‏‏‏
يقول ابن هشام: فلما تيقن عدو الله الخبر، خرج حتى قدم مكة، فنزل على المطلب بن أبي وداعة بن ضبيرة السهمي، وعنده عاتكة بنت أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، فأنزلته وأكرمته، وجعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينشد الأشعار، ويبكي أصحاب القليب من قريش، الذين أصيبوا ببدر.
يضيف ابن هشام: ثم رجع كعب بن الأشرف إلى المدينة فشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم‏‏.‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏‏ كما حدثني عبدالله بن المغيث بن أبي بردة، من لي بابن الأشرف؟‏‏ فقال له محمد بن مسلمة، أخو بني عبدالأشهل، أنا لك به يا رسول الله، أنا أقتله؛ قال‏‏:‏‏ فافعل إن قدرت على ذلك‏‏.‏‏
فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب إلا ما يعلق به نفسه، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه، فقال له‏‏:‏‏ لم تركت الطعام والشراب؟‏‏ فقال:‏‏ يا رسول الله قلت لك قولاً لا أدري هل أفين لك به أم لا‏‏؟‏‏ فقال:‏‏ إنما عليك الجهد، فقال:‏‏ يا رسول الله إنه لا بد لنا من أن نقول:‏‏ قال‏‏:‏‏ قولوا ما بدا لكم،
فأنتم في حل من ذلك.‏‏ فاجتمع في قتله محمد بن مسلمة، وسلكان ابن سلامة بن وقش، وهو أبو نائلة أحد بني عبدالأشهل، وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة، وعباد بن بشر بن وقش، أحد بني عبدالأشهل، والحارث بن أوس بن معاذ، أحد بني عبدالأشهل، وأبو عبس بن جبر، أحد بني حارثة.‏‏
ثم قدموا إلى عدو الله كعب بن الأشرف، قبل أن يأتوه، سلكان ابن سلامة، أبا نائلة، فجاءه، فتحدث معه ساعة، وتناشدوا شعراً، وكان أبو نائلة يقول الشعر، ثم قال:‏‏ ويحك يابن الأشرف!‏‏ إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك، فاكتم عني؛ قال:‏‏ افعل، قال:‏‏ كان قدوم هذا الرجل علينا بلاءً من البلاء، عادتنا به العرب، ورمتنا عن قوس واحدة، وقلعت عنا السبل حتى ضاع العيال، وجهدت الأنفس، وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا؛
قال كعب‏‏:‏‏ أنا ابن الأشرف، أما والله لقد كنت أخبرك يابن سلامة، إن الأمر سيصير إلى ما أقول، فقال له سلكان:‏‏ إني قد أردت أن تبيعنا طعاماً ونرهنك ونوثق لك، ونحسن في ذلك؛ فقال:‏‏ اترهنوني أبناءكم‏‏؟‏‏ قال:‏‏ لقد أردت أن تفضحنا، إن معي أصحاباً لي على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بهم، فتبيعهم وتحسن في ذلك، ونرهنك في الحلقة ما فيه وفاء، وأراد سلكان أن لا ينكر السلاح إذا جاءوا بها؛ قال:‏‏ إن في الحلقة لوفاء؛
قال فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره، وأمرهم أن يأخذوا السلاح، ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه، فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم‏‏.‏‏‏
قال ابن هشام:‏‏ ويقال‏‏:‏‏ أترهنوني نساءكم‏‏؟‏‏ قال:‏‏ كيف نرهنك نساءنا وأنت أشب أهل يثرب وأعطرهم، قال‏‏:‏‏ أترهنوني أبناءكم؟‏‏
قال ابن إسحاق:‏‏ فحدثني ثور بن يزيد، عن عكرمة عن ابن عباس قال‏‏:‏‏
مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد، ثم وجههم، فقال‏‏:‏‏ انطلقوا على اسم الله؛ اللهم أعنهم، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، وهو في ليلة مقمرة، وأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه، فهتف به أبو نائلة، وكان حديث عهد بعرس، فوثب في ملحفته، فأخذته امرأته بناحيتها، وقالت:‏‏ إنك امرؤ محارَب، وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة، قال:‏‏ إنه أبو نائلة، لو وجدني نائما لما أيقظني، فقالت‏‏:‏‏ والله إني لأعرف في صوته الشر، قال:‏‏ يقول لها كعب:‏‏ لو يدعى الفتى لطعنة لأجاب.‏‏
فنزل فتحدث معهم ساعة، وتحدثوا معه، ثم قال:‏‏ هل لك يا بن الأشرف أن تتماشى إلى الشعب العجور، فنتحدث به بقية ليلتنا هذه؟‏‏ قال:‏‏ إن شئتم.‏‏ فخرجوا يتماشون، فمشوا ساعة، ثم إن أبا نائلة شام يده في فود رأسه، ثم شم يده فقال:‏‏ ما رأيت كالليلة طيبا أعطر قط، ثم مشى ساعة، ثم عاد لمثلها حتى اطمأن، ثم مشى ساعة، ثم عاد لمثلها، فأخذ بفود رأسه، ثم قال:‏‏ اضربوا عدو الله، فضربوه فاختلف عليه أسيافهم، فلم تغن شيئا‏‏.‏‏
قال محمد بن مسلمة‏‏:‏‏ فذكرت مغولا في سيفي، حين رأيت أسيافنا لا تغني شيئا، فأخذته، وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا وقد أوقدت عليه نار، قال:‏‏ فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته، فوقع عدو الله وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ، فجرح في رأسه أو في رجله، أصابه بعض أسيافنا‏‏.‏‏ قال‏‏:‏‏ فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد، ثم على بني قريظة، ثم على بعاث، حتى أسندنا في حرة العريض، وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث بن أوس، ونزَّفه الدم، فوقفنا له ساعة، ثم أتانا يتبع آثارنا‏‏.‏‏
قال:‏‏ فاحتملناه فجئنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل، وهو قائم يصلي، فسلمنا عليه، فخرج إلينا، فأخبرناه بقتل عدو الله، وتفل على جرح صاحبنا، فرجع ورجعنا إلى أهلنا، فأصبحنا وقد خافت يهود لوقعتنا بعدو الله، فليس بها يهدوي إلا وهو يخاف على نفسه‏‏.‏‏
هذا ما جرى مع كعب بن الأشرف. لقد كان عدواً لدوداً للمسلمين.
1 – فهو أنكر عليهم انتصارهم على أعدائهم، أعداء الدين من قريش. وهو الذي قال أن جوف الأرض أحسن له من سطحها.
2 – ذهب إلى قريش، العدو الوحيد للمسلمين، يحرض على النبي وعلى المسلمين.
3 – لم يكتف بذلك بل راح يشبب بنساء المسلمين.
4 – كان من طيء من جهة الأب ومن بني النضير (حي من أحياء اليهود في المدينة وكان هذا الحي يتمتع بالقوة).
5 – إذن كان كعب مرهوب الجانب وكان ذو مال وسلطان. وكان يتمتع بقوة جسدية ؛تى أنه كان يوازي المجموعة التي جاءت لاغتياله.
6 – نقض كتاب المدينة الذي ينظم حياة المسلمين واليهود بتأييده لقريش. والكتاب ينص على عدم جواز التعامل مع قريش حتى مادياً.
إن هذا الإستعراض يبين كم كانت شروط الموافقة على الإغتيال قاسية وشديدة. حتى أنه يمكننا القول أن كعباً هذا لا تشبه ظروفه ظروف أي ممن تعرضوا للإغتيال في الساحة اللبنانية مما يؤكد أن الملتزمين لم يكن ليقوموا بعمليات الإغتيال المشابهة لما جرى على الساحة اللبنانية.
أما سلام بن أبي الحقيق فقد كان شبيه كعب من حيث الموقع الإجتماعي والسياسي. وكان يسبقه بأنه كان في خيبر. فخيبر كانت أقوى أحياء اليهود وأغناهم وأكثرهم عدداً. فبعد إجلاء اليهود من المدينة لجأ الكثير منهم إلى خيبر قصد الإنتقام من المسلمين لانتصارهم على اليهود في المدينة. كما أن خيبر محصنة جيداً. والأخطر أنها لم تكن الإغتيال الأول. من هنا إمكانية تنبه عدو الله ابن أبي الحقيق إلى إمكانية الإغتيال.
قال ابن إسحاق:‏ ولما انقضى شأن الخندق، وأمر بني قريظة، وكان سلام بن أبي الحقيق، وهو أبو رافع فيمن حزّب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت الأوس قبل أحد قتلت كعب بن الأشرف، في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتحريضه عليه، استأذنت الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل سلام بن أبي الحقيق، وهو بخيبر، فأذن لهم.‏
فخرج إليه من الخزرج من بني سلمة خمسة نفر:‏ عبدالله بن عتيك، ومسعود بن سنان، وعبدالله بن أنيس، وأبو قتادة الحارث بن ربعي، وخزاعي بن أسود، حليف لهم من أسلم.‏
فخرجوا وأمَّر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن عَتيك، ونهاهم عن أن يقتلوا وليدا أو امرأة، فخرجوا حتى إذا قدموا خيبر، أتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا، فلم يدعوا بيتا في الدار إلا أغلقوه على أهله.‏
قال‏:‏ وكان في عِلِّية له إليها عجلة، قال:‏ فأسندوا فيها، حتى قاموا على بابه، فاستأذنوا عليه، فخرجت إليهم امرأته، فقالت:‏ من أنتم؟‏ قالوا‏:‏ ناس من العرب نلتمس الميرة‏.‏ قالت:‏ ذاكم صاحبكم، فادخلوا عليه؛ قال‏:‏ فلما دخلنا عليه، أغلقنا علينا وعليها الحجرة، تخوفا أن تكون دونه مجاولة تحول بيننا وبينه، قالت:‏ فصاحت امرأته، فنوهت بنا وابتدرناه، وهو على فراشه بأسيافنا، فوالله ما يدلنا عليه في سواد الليل إلا بياضه كأنه قبطية ملقاة‏.‏
قال:‏ ولما صاحت بنا امرأته، جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه، ثم ذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكف يده، ولولا ذلك لفرغنا منها بليل‏.‏
قال‏:‏ فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبدالله بن أنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه، وهو يقول:‏ قَطْني قطني:‏ أي حسبي حسبي‏.‏ قال‏:‏ وخرجنا، وكان عبدالله بن عتيك رجلا سيئ البصر، قال:‏ فوقع من الدرجة فوثِئت يده وثئا شديدا - ويقال‏:‏ رجله، فيما قال ابن هشام - وحملناه حتى نأتي به منهرا من عيونهم، فندخل فيه.‏
قال:‏ فأوقدوا النيران، واشتدوا في كل وجه يطلبوننا، قال‏:‏ حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم، فاكتنفوه وهو يقضي بينهم‏.‏
قال:‏ فقلنا:‏ كيف لنا بأن نعلم بأن عدو الله قد مات؟‏ قال:‏ فقال رجل منا:‏ أنا أذهب فأنظر لكم، فانطلق حتى دخل في الناس‏.‏ قال‏:‏ فوجدت امرأته ورجال يهود حوله وفي يدها المصباح تنظر في وجهه، وتحدثهم وتقول:‏ أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك، ثم أكذبت نفسي وقلت:‏ أنّى ابن عتيك بهذه البلاد؟‏ ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه ثم قالت:‏ فاظ وإله يهود؛ فما سمعت من كلمة كانت ألذ إلى نفسي منها.‏
قال:‏ ثم جاءنا الخبر فاحتملنا صاحبنا فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بقتل عدو الله، واختلفنا عنده في قتله، كلنا يدعيه.‏ قال‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ هاتوا أسيافكم؛ قال:‏ فجئناه بها، فنظر إليها فقال لسيف عبدالله بن أنيس:‏ هذا قتله، أرى فيه أثر الطعام‏.‏
مثل هذا لا يختلف عن أمر سلفه. المهم أن موضوع الإغتيال السياسي حساس وخطير. فممارسته ليست ميسرة باستمرار. من هنا فإن النبي عليه السلام لم يجعلها إلا ممارسة محدودة جداً، وضد عدو محقق.
17 تشرين الأول 2010 حسن ملاط

ليست هناك تعليقات: