بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الجمعة، 15 أكتوبر 2010

من سيرة المصطفى 6

من سيرة المصطفى - 6 –
محمد بن عبد الله ما قبل البعثة
سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه.
قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وحدثني ثور بن يزيد ، عن بعض أهل العلم ، ولا أحسبه إلا عن خالد بن معدان الكلاعي: "أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له:‏‏‏ يا رسول الله، أخبرنا عن نفسك؟‏‏‏ قال:‏‏‏ نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما لنا، إذ أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة ثلجا، ثم أخذاني فشقا بطني، واستخرجا قلبي فشقاه، فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه، ثم قال أحدهما لصاحبه:‏‏‏ زنه بعشرة من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال:‏‏‏ زنه بمائة من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال‏‏‏:‏‏‏ زنه بألف من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم، فقال:‏‏‏ دعه عنك، فوالله لو وزنه بأمته لوزنها.‏‏‏
وكأني برسول الله عليه السلام يخبرنا بأن الله تبارك وتعالى كان يعده من أجل أن يكون نبي هذه الأمة. ليس هذا فحسب، حتى عندما كان طفلاً يلعب مع الأطفال: ان الله تبارك وتعالى يميزه عن باقي الأطفال. "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - يحدث عما كان الله يحفظه به في صغره وأمر جاهليته، أنه قال:‏‏‏ "لقد رأيتني في غلمان قريش ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان، كلنا قد تعرى، وأخذ إزاره فجعله على رقبته، يحمل عليه الحجارة؛ فإني لأقبل معهم كذلك وأدبر، إذ لكمني لاكم ما أراه، لكمة وجيعة، ثم قال‏‏‏:‏‏‏ شد عليك إزارك؛ قال:‏‏‏ فأخذته وشددته علي، ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي وإزاري علي من بين أصحابي‏‏‏".‏‏‏ ‏‏
وهكذا، أصبح هذا الطفل يجد نفسه مميزاً عن باقي الأطفال فهو لا يحق له أن يلهو كما يلهون إلا بشروط معينة. هذا إذا قرناه بما كان يحيط جزيرة العرب من حديث قرب خروج نبي، نجد أن حساب الاحتمالات سوف يملأ كل حي ومنزل ومجلس.
إذا تحدثنا عما حصل مع أهل الكتاب يزيد يقيننا أن الطفل الذي يدعى محمداً سوف يكون نبي الأمة. إليكم حديث بحيرى الراهب مع أبي طالب عم النبي وكفيله: سافر محمد مع عمه إلى بصرى الشام فراى بحيرى الراهب ما يلفت الانتباه في القافلة التي كان من بين أفرادها محمد. فدعاهم إلى وليمة ليتثبت مما ظن أنه راى: "فاجتمعوا إليه، وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم، لحداثة سنه، في رحال القوم تحت الشجرة؛ فلما نظر بحيرى في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده، فقال:‏‏‏ يا معشر قريش، لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي؛ قالوا له‏‏‏:‏‏‏ يا بحيرى، ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام، وهو أحدث القوم سناً، فتخلف في رحالهم؛ فقال‏‏‏:‏‏‏ لا تفعلوا، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم.‏‏‏ قال:‏‏‏ فقال رجل من قريش مع القوم‏‏‏:‏‏‏ واللات والعزى، إن كان للؤم بنا أن يتخلف ابن عبدالله بن عبدالمطلب عن طعام من بيننا، ثم قام إليه فاحتضنه وأجلسه مع القوم‏‏‏.‏‏‏

فلما رآه بحيرى جعل يلحظه لحظاً شديداً وينظر إلى أشياء من جسده، قد كان يجدها عنده من صفته، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا، قام إليه بحيرى، فقال له:‏‏‏ يا غلام، أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه؛ وإنما قال له بحيرى ذلك، لأنه سمع قومه يحلفون بهما‏‏‏.‏‏‏ فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:‏‏‏ لا تسألني باللات والعزى شيئاً، فوالله ما أبغضت شيئاً قط بغضهما؛ فقال له بحيرى‏‏‏:‏‏‏ فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه؛ فقال له‏‏‏:‏‏‏ سلني عما بدا لك‏‏‏.‏‏‏
فجعل يسأله عن أشياء من حاله في نومه وهيئته وأموره؛ فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره، فيوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته، ثم نظر إلى ظهره، فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده.‏‏‏
قال ابن هشام‏‏‏:‏‏‏ وكان مثل أثر المحجم‏‏‏.‏‏‏
قال ابن إسحاق:‏‏‏ فلما فرغ، أقبل على عمه أبي طالب، فقال له:‏‏‏ ما هذا الغلام منك؟‏‏‏ قال:‏‏‏ ابني.‏‏‏ قال له بحيرى:‏‏‏ ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا؛ قال‏‏‏:‏‏‏ فإنه ابن أخي؛ قال:‏‏‏ فما فعل أبوه؟‏‏‏ قال‏‏‏:‏‏‏ مات وأمه حبلى به؛ قال:‏‏‏ صدقت، فارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه يهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شراً، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فأسرع به إلى بلاده.‏‏‏
من الملفت للإنتباه أن محمداً قبل البعثة، كان يهتم بجميع شؤون مجتمعه. فعندما كان طفلاً كان يفعل كما يفعل الأطفال مع بعض الخصوصية. ولكن عندما شب عن الطوق فقد كان يشهد جميع المشاهد. فهو كان حاضراً في حرب الفجار: وإنما سمي يوم الفجار بما استحل هذان الحيان، كنانة وقيس عيلان، فيه من المحارم بينهم‏‏‏.‏‏‏ قال ابن إسحاق:‏‏‏ هاجت حرب الفجار ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة‏‏‏.‏‏‏ وشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أيامهم، أخرجه أعمامه معهم‏‏‏.‏‏‏ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏‏‏ كنت أُنَبِّل على أعمامي:‏‏‏ أي أرد عليهم نبل عدوهم إذا رموهم بها‏‏‏.‏‏‏
وشهد حلف الفضول: حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حلف الفضول.
قال ابن إسحاق‏‏‏:‏‏‏ فحدثني محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ التيمي أنه سمع طلحة بن عبدالله بن عوف الزهري يقول‏‏‏:‏‏‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏‏‏ لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت‏‏‏.‏‏‏
ونضيف هذه القصة حتى نعلم مدى أهمية هذا الحلف في بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام:
الحسين يهدد الوليد بالدعوة إلى إحياء الحلف
قال ابن إسحاق‏‏‏:‏‏‏ وحدثني يزيد بن عبدالله بن أسامة بن الهادي الليثي أن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي حدثه‏‏‏:‏‏‏
أنه كان بين الحسين بن على بن أبي طالب رضي الله عنهما، وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان - والوليد يومئذ أمير على المدينة أمره عليها عمه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه - منازعة في مال كان بينهما بذي المروة.‏‏‏ فكان الوليد تحامل على الحسين رضي الله عنه في حقه لسلطانه، فقال له الحسين‏‏‏:‏‏‏ أحلف بالله لتنصفني من حقي أو لآخذن سيفي، ثم لأقومن في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لأدعون بحلف الفضول.‏‏‏
قال‏‏‏:‏‏‏ فقال عبدالله بن الزبير، وهو عند الوليد حين قال الحسين رضي الله عنه ما قال‏‏‏:‏‏‏ وأنا أحلف بالله لئن دعا به لآخذن سيفي، ثم لأقومن معه حتى ينصف من حقه أو نموت جميعا‏‏‏ً.‏‏‏
قال:‏‏‏ فبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري، فقال مثل ذلك وبلغت عبدالرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي فقال مثل ذلك.‏‏‏ فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبة أنصف الحسين من حقه حتى رضي‏‏‏.‏‏‏
وكان محمد عليه الصلاة والسلام يحضر الأسواق، عكاظ ومجنة وغيرها. فهو قد سمع قس بن ساعدة الإيادي عندما كان في السوق.
وكان يعرف الأحناف الذين كرهوا عبادة الأصنام ومنهم ورقة بن نوفل وقس بن ساعدة وعبيد الله بن جحش وغيرهم. كما وأنه كان يعرف اليهود وغدرهم ويعرف النصارى أيضاً. وأهم مما تقدم أنه كان يعرف رموزهم ويعرف أيضاً من ينتمي إليهم. فهو كان يعرف أن ميسرة غلام خديجة كان نصرانياً.
بكلمة واحدة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف مجمل العلاقات القائمة في الجزيرة العربية ويعرف أقوامها ودياناتهم ويعرف الذين يعرفون القراءة والكتابة. فهو كان يعلم أن خديجة كانت تعرف القراءة والكتابة، وكان يعرف أن ورقة بن نوفل كان قساً نصرانياً يقرأ في كتاب النصارى... كان يعرف الكثير ويعيش كل تفاصيل الحياة العربية بالشكل الذي يريده. وعندما يتعب من الحياة في التفاصيل يذهب إلى الغار حتى يتفرج على المجتمع الجاهلي من خارجه. فالدراسة المتأنية تستدعي النظر من داخل ومن خارج. كما وتستدعي النظر من قريب ومن بعيد. وكان يقوم بالرياضة الأهم وهي التفكر في آلاء الله والتفكر في خلق السماوات والأرض.
فما بال قوم يريدون ان يغيروا المجتمع بما يرضي الله ورسوله ويعيشون بعيداً عنه لا يعرفون المشاكل التي يعانيها ولا يعرفون الطريق إلى حلها. أهكذا يكون التأسي برسول الله عليه الصلاة والسلام؟
14 تشرين الأول 2010 حسن ملاط

ليست هناك تعليقات: