بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الاثنين، 4 أكتوبر 2010

من سيرة المصطفى 3

من سيرة المصطفى – 3 -
بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة (يثرب)، واستقر به المقام لعدة أشهر، سارع الكثير من أهل المدينة وما حولها إلى الدخول في دين الله. قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة إذ قدمها شهر ربيع الأول ، إلى صفر من السنة الداخلة ، حتى بُني له فيها مسجده ومساكنه، واستجمع له إسلام هذا الحي من الأنصار، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا أسلم أهلها، إلا ما كان من خطمة، وواقف، ووائل، وأمية، وتلك أوس الله، وهم حي من الأوس، فإنهم أقاموا على شركهم. ‏ (سيرة ابن هشام الجزء الثالث ص 11). وحيث أن رسول الله، عليه الصلاة والسلام، لم يهاجر بقصد السياحة إنما لتحقيق مشروع سياسي يبغي منه بناء مجتمع يحقق فيه مصالح الناس في هذه الدنيا، هذا من جهة، ومن جهة ثانية مصالح من اختاروا الإيمان بالرسالة الخاتمة، في الآخرة. وحيث أن هذا المشروع هو بناء للمستقبل، لذلك نرى فيه من المستجدات التي لم يألفها المجتمع العربي في القرن السابع للميلاد. ومن أهم المستجدات التي قام بها النبي هو ذلك الكتاب (الوثيقة السياسية) الذي وادع فيه اليهود من أهل يثرب (المدينة). سوف ننقل نص الكتاب كما جاء في سيرة ابن هشام وفي الروض الأنف للسهيلي. ولكننا لن نعلق على جميع ما جاء في هذه الوثيقة لأن هذه المقالة لا تكفي. من أجل هذا سنعلق على بعض المواد فقط.
قال ابن إسحاق‏‏:‏‏ وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه يهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم، واشترط عليهم ‏‏:‏‏
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم، بين ‏المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم، فلحق بهم، وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس،
1 - المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين؛
2 - وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين؛
3 - وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين؛
4 - وبنو الحارث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين؛
5 - وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين؛
6 - وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين؛
7 - وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين؛
8 - وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين؛
9 - وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين؛
10 - وإن المؤمنين لا يتركون مُفْرَحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.
قال ابن هشام ‏:‏‏ المُفْرح ‏‏:‏‏ المثقل بالدين والكثير العيال.
11 - وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه؛
12 - وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم، أو ابتغى دسيعة ظُلم، أو إثم، أو عدوان، أو فساد بين المؤمنين؛ وإن أيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم؛
13 - ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر، ولا ينصر كافراً على مؤمن؛
14 - وإن ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم؛
15 - وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس؛
16 - وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم؛
17 - وإن سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا على سواء وعدل بينهم؛
18 - وإن كل غازية غزت معنا يُعقب بعضها بعضا؛
19 - وإن المؤمنين يُبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله؛
20 - وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه؛
21 - وإنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن؛
22 - وإنه من اعتبط مؤمنا قتلاً عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول، وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه؛
23 - وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة، وآمن بالله واليوم الآخر، أن ينصر مُحْدثا ولا يُؤويه؛ وأنه من نصره أو آواه، فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ‏ولا عدل؛
24 - وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء، فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم؛
25 - وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين؛
26 - وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يُوتِغُ إلا نفسه، وأهل بيته،
27 - وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف؛
28 - وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف؛
29 - وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف؛
30 - وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف؛
31 - وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف؛
32 - وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف؛ إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يُوتغ إلا نفسه وأهل بيته؛
33 - وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم؛
34 - وإن لبني الشُّطَيبة مثل ما ليهود بني عوف، وإن البر دون الإثم؛
35 - وإن موالي ثعلبة كأنفسهم؛
36 - وإن بطانة يهود كأنفسهم؛
37 - وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم؛
38 - وإنه لا ينحجز على نار جرح؛
39 - وإنه من فتك فبنفسه فتك، وأهل بيته، إلا من ظلم؛
40 - وإن الله على أبر هذا؛
41 - وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم؛
42 - وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة؛
43 - وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم؛
44 - وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه؛
45 - وإن النصر للمظلوم؛
46 - وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين؛
47 - وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة؛
48 - وإن الجار كالنفس غير مُضار ولا آثم؛
49 - وإنه لا تجُار حُرمة إلا بإذن أهلها؛
50 - وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخُاف فساده، فإن مرده إلى الله عز وجل، ‏وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛
51 - وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره؛
52 - وإنه لا تجُار قريش ولا من نصرها؛
53 - وإن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دُعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنهم يصالحونه ويلبسونه؛
54 - وإنهم إذا دُعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين، إلا من حارب في الدين، على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قِبَلَهم؛
55 - وإن يهود الأوس، مواليهم وأنفسهم، على مثل ما لأهل هذه الصحيفة. مع البر المحض ‏‏؟‏‏ من أهل هذه الصحيفة ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ مع البر المحسن من أهل هذه الصحيفة ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وإن البر دون الإثم ، لا يكسب كاسب إلا على نفسه ؛ وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره ؛ وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم ، وإنه من خرج آمنٌ ، ومن قعد آمن بالمدينة ، إلا من ظلم أو أثم ؛ وإن الله جار لمن بر واتقى ، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏ الروض الأنف الجزء الثالث (ص 233 – 234 )، سيرة ابن هشام الجزء الثالث (ص 12 – 13 ).
ملاحظة: الترقيم من عندنا.
نلاحظ أن المواد ال24 الأولى تختص بالمسلمين من المهاجرين والأنصار، أي الوافدين من مكة ومن المقيمين في يثرب. وأما بقية المواد فتختص بعلاقة اليهود بالمسلمين.
جاء في المادة العاشرة ما يلي "وإن المؤمنين لا يتركون مُفْرَحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل". وهذا من المستجدات، فالعلاقة التي تربط المؤمنين فيما بينهم تتجاوز العلاقات القبلية إلى علاقة أسمى وهي علاقة الأخوة.
أما في المادة الثانية عشرة فقد تجاوز الأطر القبلية إلى أطر تبغي العدالة من دون النظر إلى المكانة الاجتماعية: " وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم، أو ابتغى دسيعة ظُلم، أو إثم، أو عدوان، أو فساد بين المؤمنين؛ وإن أيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم"؛
أما في المادة الرابعة عشرة فهو ينفي الفروق الطبقية التي تميز العلاقات القبلية عندما يقول: " وإن ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم"؛ حتى في الأمور التي ترتدي الطابع السياسي لا تخرج الوثيقة عن الطابع الثوري المتقدم على زمان الوثيقة عندما تقول: " وإن سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا على سواء وعدل بينهم"؛ إسرائيل لاتريد أن تفاوض العرب إلا متفرقين، وهم يعملون على ذلك. فسلم عرب القرن الواحد والعشرين هو غير سلم عرب القرن السابع.
أما المادة الواحدة والعشرين فهي ترتدي أهمية خاصة لأنها تحدد وجهة الصراع الذي على المسلمين خوضه في القابل من الأيام. تقول الوثيقة: " وإنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن"؛ فالعدو كما هو واضح هو قريش، لأن النبي لم يذكر سوى قريش في موضع العداء. ثم يؤكد هذا المعنى في المادة الرابعة والأربعين: " وإنه لا تُجار قريش ولا من نصرها".
وبعد ذلك يعطي النبي عليه الصلاة والسلام الوثيقة الطابع السياسي الصرف عندما يقول: " وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء، فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم"؛ فالرسول عليه السلام هو القائد الديني والسياسي وليس زعيم قبيلة. أي أن العلاقات فيما بين أهل الوثيقة ارتدت طابعاً سياسياً صرفاً لم تتعوده مجتمعات ذلك العصر وخاصة العربية منها.
ثم تنتقل الوثيقة للكلام عن اليهود. فالنبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم الحرية الكاملة على جميع المستويات. تقول الوثيقة: " وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يُوتِغُ إلا نفسه، وأهل بيته"، فبعد قراءة الوثيقة نرى أنها قد عددت مختلف بطون اليهود وحلفائهم ومواليهم من سكان المدينة.
ولكن حيث أن الحرص واجب، وخاصة مع أهل الغدر من اليهود، جاء في الوثيقة: " وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم".
ثم نرى في الوثيقة كيف تُدَمَّر العلاقات القبلية من خلال هاتان المادتان: " وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه"، " وإن النصر للمظلوم". وعلينا الانتباه أن المرء وحليفه يعتبران شخصاً واحداً في العلاقات القبلية. ثم تؤكد الوثيقة أن النصر للمظلوم كائناً من كان هذا المظلوم، وكائناً من كان الظالم.
وأخيراً نصل إلى المادة الأهم في هذه الوثيقة والتي تحدد كيفية قيام المعاهدات. تقول الوثيقة: " وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخُاف فساده، فإن مرده إلى الله عز وجل، ‏وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم". إذا أحببنا العودة إلى جميع المعاهدات التي قامت بين العرب (المسلمين!) وإسرائيل، هل أي من هذه المعاهدات كانت تعتبر المسلمين هم المرجع في بت الخلافات التي تحصل ما بين العرب وإسرائيل. إن المعاهدة التي تستجيب للشروط الإسلامية هي تلك التي تحقق مصالح الناس فقط، وليس تلك التي تحقق مصالح إسرائيل ومن ورائها الإدارة الأمريكية.
المرجع في المعاهدات، كما جاء في وثيقة المدينة هو الله ورسوله. من هو المرجع في المعاهدة ما بين مصر وإسرائيل، أو ما بين الأردن وإسرائيل، أو ما بين جماعة عرفات وإسرائيل في أوسلو. ومن هي المرجعية في المفاوضات التي يخوضها عباس مع إسرائيل؟
إن أسوأ ما يقترفه بعض فقهاء السلاطين هو تزيينهم للباطل، وإلباسه لباس الحق، كما فعل الذين برروا إتفاق كمب ديفيد. ولا يخرج عن هذا النطاق فقهاء الوسطية الذين برروا لملك الأردن إتفاق وادي عربة. كما أن الفقهاء من أهل السعودية الذين برروا للأمريكان إستخدام الأراضي السعودية للإعتداء على العراق،إبان حرب إحتلال العراق، هم من نفس المعدن.
قراءة هذه الوثيقة مهمة جداً، والأهم دراستها لأن فيها الكثير من الدروس الذي لا يمكن حصرها في مقالة واحدة. كما وأن دارساً واحداً لا يمكنه الإحاطة بجميع ما تتضمنه.
4 تشرين الأول 2010 حسن ملاط







ليست هناك تعليقات: