الأحد، 23 نوفمبر 2008
مظاهر
الفشل في تعليم القراءة
هناك العديد من الأسباب التي تؤدي الى الفشل المدرسي ، و لكن
ما علينا أخذه بعين الاعتبار هو صعوبة تحديد السبب الأصلي لهذا الفشل. علما أن
التحليل الجاد لهذه الانتكاسات يعيد معظمها ، ان لم يكن جميعها الى الفشل في اجادة
اللغة المكتوبة، أي القراءة. هل علينا في هذا المقام التأكيد على أن تعلم القراءة
هو المدخل، الباب الذي منه نلج الى جميع العلوم؟
و الأمر الهام هنا، هو أنه بالقدر نفسه الذي على المعلم و
المدرسة معرفة سبب الانتكاسات التعلمية عند الطفل أو حتى البالغ، كذلك على الأهل
معرفة هذه الأسباب. فالتصحيح ، ربما لم يكن بامكان المدرسة القيام به بمفردها لذلك
لا بأس مطلقا من التعاون المؤقت للمدرسة و الأهل في هذا المجال.
۞ أهم مؤشرات فشل التعلم الأساسي في الروضة
الكبرى والصفين الأول و الثاني:
ان من الصعب بمكان كشف الفشل في هذه المرحلة بسبب تخفيه وراء
مظاهر خادعة. ۞ اللامبالاة للحياة المدرسية و الآثار السلوكية للفشل:
- الولد الذي كان فرحا في بداية السنة للذهاب الى الصف يبدو و
كأنه أصبح غير مبال بالمدرسة :
يبدأ باظهار رغبته بالقراءة، و عند القيام بذلك في المساء،
يبدو له أن القراءة متعبة جدا . و هذا يعود الى كثرة الأخطاء المرتكبة. عندها
يرتبك الأهل و يعتقدون بأن ولدهم يسخر منهم أو أنه لا يريد أن يدرس. يلعب بيديه،
يترك القلم يقع على الأرض، يقف ثم يجلس من غير داع لذلك. يتطور الموقف و يصبح
اشكاليا ان لم يكن خلافيا مع الولد.
- بعض الأولاد يصبحون متضجرين من المدرسة:
بعض الأولاد الذين يبذلون مجهودات عظيمة لمتابعة الصف و
النجاح في القراءة يظهرون قلقا كبيرا. و هذا القلق يترجم بأشكال مختلفة مثل البعد
عن زملائهم أثناء الفرص المدرسية الا عندما يوشك قرع الجرس. و الأخطر هو أن ينعكس
هذا القلق على صحة الولد، كأن يصاب بأوجاع في البطن أو بتقيؤ، أو رفض الأكل. و هذا
ما يحدث غالبا في الصباح. و المظهر الأخطر هو المظهر السلوكي . مثال ذلك : رفض
المدرسة، الحركة الدائمة، عدم الاستقرار المتصاعد، الغضب، الانكماش على الذات،
الصعوبات التواصلية أو عدم النوم و الأرق أو الكوابيس.
أحد التلاميذ يستفيق يوميا، ليلا و يردد درسه و هو جالس في
سريره، ثم يقول و هو يبكي بمرارة هذا صعب جدا، لن أجيده، لن أتعلمه.
- التلاميذ الذين يخترعون:
يقرأ التلميذ من غير أن يتطلع الى الكتاب، ثم يقلب الصفحة قبل
أن ينتهي من قراءتها و لكنه مع ذلك يتابع القراءة. و يحصل أن بعض التلاميذ يقرأون
ما ليس له علاقة بالدرس المكتوب على الكتاب فهم يخترعون نصا، انطلاقا من الكلمة
التي يجيدون قراءتها. و أحيانا يردد جملة حفظها سابقا انطلاقا من صورة رآها في
الدرس، و هي بالطبع غير موجودة في النص الحالي. انهم يرددون ما حفظوه عن ظهر قلب،
انهم لا يقرأون.
احدى التلميذات اختارت بنفسها درسا لقراءته. يوجد فيه صورة هر
يتطلع الى سمكة موجودة في وعاء. بعد تركيز لا بأس به من قبل التلميذة بدأت القراءة
: الهر يريد أن يتعلم السباحة. و لكن المكتوب تحت الصورة كان الهر يريد أن يصطاد
السمكة الحمراء.
لما كانت الطرق المختلطة قد وجدت لتسهيل الانفتاح على معنى
النص القرائي نراها قد أعطت نتائج معاكسة تماما.
- معاناة الأولاد:
عندما يرى الأهل الصعوبات التي يعاني منها أولادهم خلال
دراستهم يعتقدون أن ولدهم هو فقط كذلك. و لذك يتهمونه بالاهمال و حبه للعب و عدم
اهتمامه بالدرس و لا يعلمون بأن ما يعانيه ولدهم يعانيه الكثير من الأولاد. لذا
نراهم يضغطون عليه و يسجنونه أمام طاولة الدرس أو مع معلم خصوصي الى آخر ما هنالك،
و ذلك ابتغاء حل هذه المعضلة.
و أصعب ما يعانيه الأولاد الذين يعانون الفشل هو عدم فهم
الكبار معاناتهم من هذا الفشل. فأنا خلال تجربتي لم أصادف تلميذا لا يحب أن يتعلم
انما صادفت الكثير من المعلمين، ربما أكون منهم، لا يحسنون التفاعل مع التلميذ. و
هذا عائد طبعا الى المسؤولين عن اعداد المعلمين و عن تقصيرهم في هذا الميدان و ليس
للمعلمين أنفسهم. ان الولد عندما يتعلم يعرف أنه يصبح محط أنظار الكبار لذلك هو
يفرح بعلمه. لذلك يدخل الى المدرسة و هو متحمس، منفتحا على عالم التعلم. يصل الى
تعلم المكتوب، أي القراءة، لا يعلم الرموز التي تمكنه من القراءة أو الكتابة .
تبدأ المعاناة. و كلما تقدمت الأيام تكبر المعاناة. و يبدأ كره المدرسة و الدرس
طبعا. يفقد ثقته بنفسه، و يرفض تنفيذ كل ما يظهره أنه فاشل و غير متفوق. و يدخل
دائرة الفشل...
انه لمحزن حقا أنك تصادف أولادا في الروضة الكبرى أو الصف
الأول يعبرون عن خيبتهم من المستقبل لأنهم لا يتمكنون من النجاح في تعلم القراءة.
فالجميع لا يحبهم، على حد تعبيرهم، لأنهم فاشلون.
بينما كنت أشرح درسا في الصف الأول وجدت تلميذا وكأنه خارج
الصف و هو موجود في أول مقعد. سألته ما بك يا محمد يظهر أنك لست مسرورا فأجابني
ابن السنوات الست و ما الذي يفرح يا أستاذ و أنا لا يمكنني أن أفك الحرف. أؤكد لكم
أنني صدمت. و أسوأ ما في الأمر أن هناك الكثير الكثير من أمثال ولدنا هذا.
في هذا الوقت بالذات علينا التنبه الى الخطأ في التشخيص.
فالتعثر شيء و سلوك الولد شيء آخر. فالتعثر يمكن أن ينتج عن أسباب نفسية و عاطفية
و لكن يمكن أن ينتج أيضا عن أسباب تعود الى طريقة التعليم المتبعة في المدرسة و
التي تؤدي الى هذا النمط من السلوك لدى الأولاد المتعثرين. فالولد الذي لا يتمكن
من الانفتاح على القراءة يمكن أن يصبح سلوكه عدوانيا.
۞ المميزات التقنية التي تؤشر الى التعلم
السيء للغة المكتوبة في الصفوف الأولى:
هناك ميزات مشتركة بين من يعانون من صعوبات في تعلم اللغة
المكتوبة. يستثنى من هؤلاء المرضى.
- القراءة بشكل متعثر:
تكون القراءة بطيئة أكثر الأحيان، متقطعة و مترددة. فيها رجوع
الى الوراء بعد كثير من الكلمات بقصد اكتشاف المعنى أو تذكر كيفية قراءة الكلمة.
أما علامات الوقف فقليلا ما تحترم و الايقاع يكون واحدا.
- الأخطاء كثيرة:
يغير بعض الكلمات، يقرأ كلمات لا وجود لها، أو ينسى بعض
الأحرف. يتعثر في قراءة الأحرف التي يتشابه نطقها، س ، ث ، ز، ذ... و هذا الخلط لا
يكون دائما، فهو يقرأ الكلمة بشكل صحيح في جملة ما ثم يقرأها خطأ في جملة ثانية. و
نراه أحيانا يصحح لنفسه لأنه يكون قد اكتشف كيفية قراءة الحرف في جملة أخرى.
عندما تكون الأخطاء كثيرة ، و القراءة بطيئة، فهذا يعني أن
المقياس الصوتمي في الدماغ ليس في وضع يتيح له نقل معطيات مقبولة بشكل كاف للمقياس
الأعلى حتى يتمكن هذا الأخير من ربط هذه الكلمة بلفظة من مخزونه. فالفهم، عنده
يكون مستحيلا.
- القراءة سريعة جدا:
يقرأ الولد سريعا، من دون أخطاء، يحترم علامات الوقف و تكون
النبرة ملائمة لمعنى النص. هذا يعني أنه عند القراءة، يكون مقياسا الدماغ يعملان
بشكل صحيح. و لكن عندما يصل الى آخر النص و نطلب من التلميذ تلخيصه، نراه غير قادر
على ذلك. هذا الحدث يفسر بالشكل التالي: عند القراءة، تعمل آليات الفهم بشكل عادي،
و لكن العناصر المقروءة لا تكون قد أخذت مكانها في الذاكرة لأن قراءة الكلمة
التالية تمحو ما أتى قبلها.
في الصف الأول، كثير من الأولاد يعطون الانطباع بأنهم يقرأون،
بينما هم في الواقع يعيدون ما حفظوه عن ظهر قلب. و حتى نتمكن من الحقيقة ما علينا
الا أن ندخل هذه الكلمات في جمل لم تمر معهم بعد و لندعهم يقرأونها و سوف نرى أنهم
لن يتمكنوا من ذلك. أما عند تمكنهم من قراءتها فهذا يعني بأن الولد قد تمكن بنفسه
من معرفة الرموز و شيفرة حلها، أي النسق الألفبائي للقراءة. خلاف ذلك على الأهل
التدخل و الا فان الصعوبات سوف تكبر و تتضاعف.
في نهاية الصف الأول، من المهم أن نتأكد من المعارف القرائية
عند الولد.
يكفي أن نطلب منه قراءة نص جديد، لم يكن قد قرأه، فاذا تمكن
من قراءته حتى و ان كانت القراءة بطيئة و فيها بعض الأخطاء، و تمكن من صياغة ما
فهمه من النص، نستنتج بأن الولد مؤهل للدخول في الصف الأعلى. أما اذا لم يتمكن من
ذلك فهذا يعني أننا علينا اعادة تأهيله. مع أن القوانين تسمح له بالترفع الى الصف
الثاني و لا تنصح باعادة الصف الأول مهما كانت النتائج الغير مرغوبة التي يمكن أن
يقع فيها الولد.
يترفع الولد الى الصف الثاني، وعليه أن يكتب فروضه و هو لا
يعرف لا القراءة و لا الكتابة، فكيف يمكنه التوصل الى حل هذه المعضلة؟
- الكتابة:
ان كتابة الولد الذي لا يحسن اللغة المكتوبة (أي القراءة)
تكون بشكل عام رديئة. سبب هذا يعود الى مرحلة الروضة. فمطلوب من الأولاد في مرحلة
الروضة الانفتاح على اللغة المكتوبة من خلال أسمائهم مثلا أو بعض الكلمات التي
تكتب على اللوح، حتى قبل أن يتعلموا أشكال الأحرف. و لا يعلمون الخطوط المؤلفة
للحرف و لا نسبها لبعضها البعض. و في الروضة الكبرى يطلب منهم دمج بعض الرموز من
دون أن يعرفوا ترجمتها الصوتية. حتى عند الكتابة في الفضاء لا نأخذ بعين الاعتبار
الحدود التي على الطفل الالتزام بها، مما يؤدي الى الخلط بين الأحرف
المتشابهة...الخ
و أخيرا، نجد أنه من المطلوب من الطفل أن يكتب على أوراق غير
مسطرة، بحيث أنه يكتب من غير معرفة كيف تبدأ الكلمة و كيف تنتهي. نستنتج بأن الطفل
عليه أن يكتشف الكتابة بواسطة التجربة و الخطأ، كما يفعل عندما يتعلم القراءة.
هذا الوضع، في الكتابة، سوف يرافق الولد ، ربما، حتى يصل الى
المرحلة المتوسطة. فيكتب بطريقة غير مقروءة، و ما على المعلم الا أن يخمن ما هي
الكلمة المكتوبة.
- كتابة نص مسموع:
بالنسبة لأكثرية الأولاد الذين تعلموا النسق الألفبائي بشكل
ضمني، يبدو أن تأليف نص من قبلهم شبه مستحيل. فالأخطاء كثيرة جدا و خاصة تلك التي
لها علاقة بتوليف الصواتم و الرواسم. و هذا يعود الى عدم تعلمهم بشكل مباشر
للأحرف. عندما يبدأ التعلم بشكل خاطىء لا تتمكن الوحدات العصبية من أن تنبني
بالشكل الذي يمكنها من حفظ القواعد اللغوية بشكل يتيح لها (أي للقواعد) التمركز في
الذاكرة. فهي (أي الوحدات العصبية) تطرح فرضيات لحلول تقريبية. هذه الحلول لا
تمكنها من انتاج نص مكتوب.
فما على الأهل الا أن يختبروا بأنفسهم معارف أولادهم في
القراءة و الكتابة ربما يتمكنون من ايجاد الحل المبكر قبل أن ينتقل ولدهم الى صف
أعلى تكبر معه المعضلات بحيث تصبح معالجتها أكثر صعوبة.
الأسباب المختلفة للفشل
لن نسرد قائمة بالأسباب، ولكن الحديث عن أسباب الفشل يستدعي
معرفة أمور لا بد من معرفتها، و هي وضع الولد الجسدي، الذهني و العاطفي. كما و يجب
الاجابة على الأسئلة الأساسية التالية:
- هل يوجد عند الولد عوائق تتعلق بالحواس؟
- ما هو مستواه الذهني؟ هل مستوى الذكاء عنده وسط، أقل من الوسط
أم أكثر من الوسط؟
- هل لدى الولد صعوبات القراءة المرضية؟
- هل يعاني الولد من اضطرابات ذات منشأ نفسي عاطفي؟
عندما تتأمن الاجابة على هذه الأسئلة يمكن العمل على ايجاد
الحل لكل منها.
۞ العوائق المتعلقة بالحواس:
العوائق السمعية و البصرية شائعة، فمن المفروض اجراء اختبار
للسمع و للنظر لكل ولد يعاني من صعوبات مدرسية.
۞ المستوى الذهني عند الولد:
من المهم جدا معرفة مستوى الذكاء عند الولد الذي يعاني من
مصاعب مدرسية ، لأن كل مستوى من المستويات يستدعي معالجة مختلفة عن اللأخرى. و من
الجدير ذكره في هذا المقام، أن المنوط به القيام باختبار الذكاء عنصر مختص في هذا
المجال علما أن روائز الذكاء، و خاصة الأكثر شهرة و مهنية، أعني روائز واكسلر،
يمكن الحصول عليها. ولكن الاستخدام الغير مدروس لها و بشكل دقيق يمكن أن يعطي
نتائج سلبية. كلنا يعلم بأن واكسلر قد أعد مستويات متعددة من هذه الروائز، فمنها
ما يختص بنشاطات معينة ومنها ما يختص بالمستوى العمري ...
لن نتحدث في هذا الموضوع، لأنه علينا تركه لأصحاب الاختصاص. و
لكن علينا الاشارة الى أن هناك نهجا على الأهل و كذلك المدرسة القيام به ازاء
الولد الذي يتمتع بذكاء كبير و كذلك بالنسبة للولد الذي يتمتع بذكاء أقل من الوسط.
و يمكن أن نفرد بحثا لهذين الموضوعين تبعا للضرورة.
۞ الأولاد الديسلكسيون:
الأولاد الذين يعانون من الصعوبات ذات الطابع المرضي في
القراءة لا تتعدى نسبتهم 3 أو 4 % من مجموع الأولاد. فليس كل من لا يقرأ أو يكتب
بشكل مقبول يمكن اعتباره ديسلكسيا. فالديسلكسيا هي مرض وراثي ينتج مصاعب مستمرة في
تعلم القراءة و الكتابة و الاملاء عند بعض الأولاد في المدارس و الذين لا يعانون
من اضطرابات في الحواس أو اضطرابات ذهنية، المقصود على مستوى الذكاء.
و هذا المرض يصيب الذكور أكثر بنسبة ثلاثة أضعاف. و يمكن
رؤيته من خلال IRMf.
ان امكانية اكتشاف هذا المرض بصورة مبكرة يتعلق بطريقة
التعليم المتبعة. يمكن اكتشاف المرض بسهولة اذا كانت الطريقة ألفبائية.
يكفي هذا القدر لأن تعليم هؤلاء الأولاد يستدعي دراسة خاصة،
يمكن أن نقوم بها عند الحاجة.
۞ الفشل الناتج عن أسباب اجتماعية، عائلية،
نفسية و عاطفية:
عند الولادة يكون الدماغ مجهزا بطاقة خاصة بكل فرد و تكون
وراثية. على كل حال، فتحت تأثير المنشطات الخارجية تبنى الدوائر التي سوف توحد
المساحات أو المجالات الدماغية و التي تبعا لاختصاصاتها، تتيح لكل وظيفة أن تتحقق
بشروط جيدة أو بشروط سيئة.
- العوامل البيئية التي علينا أخذها بعين الاعتبار عند البحث في
الصعوبات المدرسية:
ليس صحيحا أن كل فشل يعاني منه الولد في المدرسة يعود الى
أسباب عاطفية. كما و أنه ما من أحد يمكنه أن ينكر أن البيئة الاجتماعية و العائلية
لهما تأثير كبير على حظوظ النجاح عند الولد. و لكن علينا أيضا معرفة أن مهمة
المدرسة تأمين جميع الظروف التي تتيح النجاح للولد. كما و أنه لا يمكننا أن ننكر
بأن هناك حالات تستدعي تدخل الاختصاصي النفسي، مثال ذلك السلوك العدواني أو السلوك
المعادي للمجتمع...
الطفل الكثير الحركة هو اضطراب سلوكي و لكنه لا علاقة له
بالعوامل البيئية. كما و أنه علينا عدم الخلط بين الطفل الكثير الحركة كظاهرة
مرضية و الولد الذي يتحرك كثيرا. فهناك فرق نوعي بين الولدين. فهذا الأخير يمكنه
أن يهدأ عندما يقوم بنشاط يعجبه.
- أهمية تحديد وقت ظهور الاضطرابات:
قبل الشروع بأية معالجة علينا معرفة الوقت الذي ظهرت فيه
الاضطرابات السلوكية عند الولد. فاذا لم يكن الولد قد أظهر أي اضطراب قبل البدء
بتعلم القراءة، فالحكمة تقتضي أن نعلم ان كان الفشل في هذا الميدان هو سبب هذه
الاضطرابات. عندها يكفي أن نعلم الولد بالطريقة الألفبائية و نلاحظ ان كانت هذه
الاضطرابات قد خفت أم لا. فان تعدلت فنعما فعلنا أما العكس فيستدعي عرضه على
اختصاصي.
و لا بد من التأكيد على مسؤولية الأهل اتجاه أولادهم، من حيث
معرفة طرائق التعليم التي تؤمنها المدرسة لأولادهم ان كانت تفي بالغرض الذي من
أجله بعثوا بأولادهم الى المدرسة أم لا. هل تعلموا القراءة و الكتابة أم لا. ما من
أحد الا و بامكانه اجراء هذا الاختبار.
الطريقة التي ينصح بها لحل مشاكل التعلم عند الأولاد:
حيث أنه أصبح بمقدورنا معرفة آلية عمل الدماغ عند القراءة،
فهذا يعني بالتالي أنه بامكاننا العمل بالطريقة التي تسهل عمل الدماغ ، و تؤمن
التعلم للولد بأسرع و أسهل ما يمكن. و علاوة على ذلك، فعندما نعلم الدور الذي
يلعبه تعلم اللغة الشفوية و المكتوبة في تنمية التفكير المفهومي للولد، نفهم أن
صفة هذا التعلم تتجاوز صفة المهارة و بصورة جلية. ان التقنيات الأكثر حداثة
المتبعة في فحص الدماغ تظهر و من دون أية شائبة أن تقنيات التعلم لها انعكاسات
هائلة على أناتومية الدماغ و على صياغة الدوائر التي تربط بين الخلايا العصبية و
المجالات العصبية.
- معايير الطرائق التي ينصح بها لتعلم القراءة و الكتابة:
يجب أن يكون التعليم واضحا و مباشرا. فالتعلم البين يحد كثيرا
من مخافة الوقوع في الخطأ عند جميع الأطفال، حتى الديسلكسيين، و عند جميع الذين
يعانون من صعوبات في تمييز الأصوات و الأشكال و اتجاهاتها .
- اذن فالطريقة يجب أن تكون ألفبائية.
- ان نسق تعليم الرواسم يجب أن يتيح منذ البداية تعلم جمل لها
معنى.
- يجب البدء بالأسهل أي الأحرف التي لا تكون كتابتها صعبة على
الولد و يمكنه أن يؤلف كلمات و جمل ذات معنى منذ بدء التعلم . أما بالنسبة للغة
الفرنسية فعلينا البدء بتعلم الأصوات.
- يجب عدم اعطاء الولد كلمات لا تلفظ بعض حروفها. لا مشكلة في
العربية و لكن المشكلة في الفرنسية.
- على الطريقة أن تؤمن التعلم الواضح و البين للعلاقة بين
الروسم و الصوتم. و هذا يستدعي معرفة تمييز الأصوات شفاوة أولا، أما بالنسبة
للرواسم فعلينا أن ندرب الولد عليها بضوابطها في الفضاء.
- لقد ثبت علميا أن القراء المجيدين هم الذين يلاحظون و بسرعة
التبدلات التي تطرأ على الرموز مهما كانت صغيرة.
- حتى يتعلم الولد الحرف جيدا عليه أن يعرف اتجاه خطوطه.
- لقد أثبت اريك كاندل (حائز على جائزة نوبل) أن التعلم الأسرع
هو الذي يمارس تنشيطا قويا للخلايا العصبية.
- ثلاثة أنواع من التنشيط يجب أن تؤدى:
• اللمس : و ذلك بتمرير الأصابع على أحرف مصنوعة من مواد صلبة.
• تحريك الأحرف. و ذلك بأن يحمل الولد الحرف الذي يمثل الصوت
الذي يلفظه المعلم.
• التعبير عن الحرف بالحركة.
- المزاوجة المنهجية بين تعلم القراءة و الكتابة. فالقراءة و
الكتابة يمثلان وجهين لحقيقة واحدة. فهما غير منفصلان. لذلك فتعلم القراءة و
الكتابة يجب أن يتتابع.
- يجب تسهيل عمل المقياس الأعلى للدماغ المختص بالتفتيش عن
المعنى.
• تأكيد معرفة العلاقة بين الصواتم و الرواسم.
• اغناء معرفة المفردات ( أي المحصلة اللغوية) بتعلم واضح و جلي.
• التأكيد بطريقة جلية على المعارف ذات الطبيعة القواعدية التي
اكتسبها الولد عبر التعبير الشفوي.
• يجب على كل درس أن يختم باملاء تركز على الروسم الجديد الذي
اكتسبه الولد.
• على الولد أن يصيغ بلغته الخاصة ما اكتسبه يوميا.
• القراءة بصوت عال. فهذه القراءة ضرورية و لا يمكن تجاوزها.
لأن القراءة الصامتة لا قيمة لها على الصعيد العصبي. و لا ننسى أن القراءة بصوت
عال تتيح للولد أن يسمع ما يقرأ.
- يجب أن تكون الأحرف و الكلمات مكتوبة بالأسود و على رقعة
بيضاء. فقد ثبت أن هذه الكتابة تسهل تركيز النظر، العامل الأهم في القراءة.
- يجب أن تكون النصوص من غير صور.
• ان وجود الصور يستدعي العمل المتزامن لشقي الدماغ، و هذا ما
يستتبع عدم التركيز.
• ان فهم النص هو العامل الأوحد الذي يؤمن تذوق القراءة و
المتعة. و المتعة تأتي من القراءة و ليس من الصور الموجودة في الكتاب.
• لا بد من التأكيد أن الالتزام بما تقدم يؤمن الحل لجميع
المشاكل التي سبق ذكرها، الا تلك ذات الطابع الباتولوجي، أي المرضي، و هذه تستوجب
استدعاء اختصاصي كل في مجاله.
و ما علينا لتأكيد ما ذهبنا اليه في تأمين الحلول للتعثرات
التي يمر بها أولادنا ، الا الاستشهاد بعالم و باحث مشهود له بسعة الاطلاع في الميدان
موضوع بحثنا. أعني ستانيسلاس دوهاين.
جاء في كتاب "الخلايا العصبية للقراءة"" Les neurones de la lecture لصاحبه Stanilas DEHAENE أشياء مهمة سأتلوها عليكم
بعد أن نعرفكم بصاحبها. هو أستاذ في Collège de France و هذه
من كبريات الجامعات الفرنسية و هو يشغل منصب أستاذ كرسي علم النفس المعرفي
الاختباري و هو عضو في أكاديمية العلوم و اختصاصي بتصوير الأعصاب و هو الأهم في
ميدان علوم الأعصاب أو ما يسمى Neurosciences . جاء ما
يلي:"لهذا،فمعطيات التصوير و علم النفس ليست محايدة مقابل الصراعات الكبيرة
حول القراءة في المدرسة. نحن لا نتعلم القراءة بمائة طريقة مختلفة. كل ولد وحيد
.... و لكن، عندما يجب تعلم القراءة، الجميع لهم نفس الدماغ، الذي يفرض نفس
المتطلبات و نفس مراحل التعليم. من المهم أيضا أن نتفحص أي نوع من التعليم و ليس
الوصفات، يمكن أن يحمل لنا علماء الأعصاب المعرفي في عالم التربية Education .
لنبدأ بتحديد بأن القراءة ليست كما تبدو للوهلة الأولى. كقراء
خبراء و أكثر من متدربين لدينا الاحساس بالمعرفة المباشرة و المجملة للكلمة. هذا
حدس خادع. فدماغنا لا ينتقل من صورة الكلمة الى معناها مباشرة. فحسب معرفتنا، هناك
سلسلة من العمليات الدماغية و العقلية تتآزر و تتتابع قبل أن تفكك الكلمة الى
عناصرها. فالكلمة تشرح ثم تركب من أحرف فمقاطع ...الخ. فالقراءة المتوازية و
السريعة عند القارىء الخبير ليست الا النتيجة النهائية لآلية عمليات التحليل و
اعادة التركيب.
ثم يضيف : ان غاية التعليم اذن واضحة: يجب وضع هذه الهرمية في
الدماغ، حتى يتمكن الولد من معرفة الحروف و الرواسم ليحولها بسهولة الى أصوات في
اللغة. و جميع المظاهر الأخرى للغة من فهم المعنى ، كتابة الاملاء... تتعلق بما
تقدم.
ثم يضيف : ان فك الرموز الصوتمية للكلمات هي المرحلة المفتاح
للقراءة. جميع الأبحاث التي اجريت على الأطفال و الأميين أثبتت ذلك. ان تحول
الروسم الى صوتم هو اختراع أوحد في تاريخ الكتابة الذي يحول جذريا دماغ الولد و
طريقة سماع أصوات اللغة. و هي لا تتطور تلقائيا ، انما يجب تعليمها.
ثم يتحدث الكاتب عن طرائق تعليم القراءة ، فيبدأ الفصل بما
يلي: ان علم النفس المعرفي يرفض اذن، مباشرة و باصرار، كل فكرة عن تعليم القراءة
بالطريقة المجملة.
و عندما يصل الى فصل "كيف نعلم القراءة" يقول موجها
حديثه للأهل و للمعلمين: المرحلة المفصلية للقراءة هو تحويل الروسم الى صوتم، و
هذا هو الانتقال من وحدة مرئية الى وحدة سمعية.... ثم يضيف قائلا: أرى من الحيوي
جدا، أخيرا، أن كل معلم عليه أن يعلم آلية عمل دماغ الولد (الذي يتعلم
القراءة)..... و ينهي هذا الفصل قائلا: على كل معلم أن يختبر بعناية و دقة، بغية
التمييز، يوما بعد يوم، المنشطات التي سوف تغذي الطفل الذي يعلمه. (المقصود أساليب
التعليم). (290 – 301 ).
و أخيرا يمكننا أن نخصص دراسة تغطي طرائق تعليم القراءة التي
تتلاءم مع آلية عمل الدماغ وكيفية عمل الدماغ عند تعلم القراءة و تكون مخصصة
للمسؤولين التربويين بجميع مراتبهم و المعلمين طبعا .
شكرا لكم.
القلمون – أوائل كانون الثاني – 2008 .
حسن محمد ملاط
مرسلة
بواسطة فكر وتربية في 5:30 ص ليست هناك تعليقات:
التسميات: تربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق