الجمعة، 28 نوفمبر 2008
تحديث
القراءة
اعداد
حسن ملاط
الكثير من التربويين باتوا مقتنعين اليوم أن تعلم الرمز
اللغوي(الأحرف) هو شرط في تعلم المبتدىء للقراءة. ولكن المؤسف في الأمر أنهم
لايميزون بأن الطريقة المستخدمة في جميع المدارس في بلادنا وأعني الطريقة المختلطة
لا تؤدي الى تعلم الطفل للرموز واجادتها. ودليلي على ذلك أن الطفل يكمل مرحلة
الروضات ومن ثم الصف الأول وعندما يبدأ بقراءة النصوص يبدأ التعثر الحقيقي.
والمؤسف حقاً أن قلة قليلة من المهتمين تتحدث عن هذا الأمر ولكن لا تأخذ الموضوع
في كثير من الجدية.
لقد نشرت مؤسسة الفكر العربي منذ فترة قريبة، أسابيع، تقريراً
يبين أن عدد القارئين العرب يبلغ مانسبته 4 % من نسبة القارئين البريطانيين. وهذه
النسبة كارثية، ولكنها تكون كارثية أكثر عندما نعلم أن البريطانيين لا يعتبرون من
المطالعين المجيدين. وقد قامت وتقوم محاولات للتشجيع على القراءة، أعني المطالعة،
في أكثر من بلد عربي وخاصة البرنامج التشجيعي التي قامت وتقوم به دولة الامارات
العربية، ولكن يمكنني أن أؤكد أن جميع هذه المحاولات سوف تبوء بالفشل اذا لم نلتزم
بما وضعه الله تبارك وتعالى في تركيبتنا الدماغية فيما يتعلق بتعلم القراءة.
في دراسة سابقة بينا بأن الدماغ يملك آلية خاصة به في كيفية
تعلم القراءة ولا مناص لكل من يريد أن يعلم القراءة للمبتدئين الا أن يلتزم
بمقتضياتها. ان الطريقة المجملة والطريقة المختلطة وجميع الطرق ذات الانطلاقة
المجملة تعمل بطريقة مخالفة لآلية عمل الدماغ،التي لا يمكن تغييرها لأنها من ابداع
الله عز وجل، هي طرق مؤذية للمتعلم ويجب التخلي عنها وايداعها مزبلة التاريخ. ان
تغيير آلية عمل الدماغ غير ممكنة ولكن تغيير طرق التعليم ممكنة. لذا اذا أردنا
فعلاً أن نصبح أمة قارئة ما علينا الا أن نعلم أطفالنا منذ اليوم كيفية القراءة
الصحيحة حتى يتمكن الطفل من الانفتاح على عالم المطالعة.
ان من الأمور الخطيرة أيضاً أن المعلمين لايعيرون أمر البدء
بتعلم الرموز كثير أهمية ويفترضون أن الأمر سيان. اذ أن المهم هو أن يتعلم الطفل
الرموز. وهذا ما سوف يحصل ان عاجلاً أو آجلا. وهذا يدل على جهل كبير بانعكاس طريقة
التعليم على دماغ المتعلم، لذا ننصح بالعودة الى الدراسة التي هي من اعدادنا
والمنشورة على الصفحة التالية hassanmallat.blogspot.com .
ازاء ما تقدم نود أن نؤكد أن الدراسات النظرية والتجارب
العملية قد أكدت أن الأساس في تعليم القراءة هو اختيار طريقة التعليم. كما وأنه لا
يمكن القول أن الترتيب ليس له أهمية. فنقطة البداية هي التي تميز طريقة عن أخرى.
والطريقة التي نقترحها نحن والتي تتآلف مع كيفية عمل الدماغ هي الطريقة التركيبية
الصوتمية. انها طريقة تتشابه من حيث الانطلاقة مع الطريقة الألفبائية ولكنها تفترق
عنها في الآليات التي تسهل عملية التعلم عند الطفل. وما نريد أن نشير اليه أنه لا
يوجد أي كتاب في متناول اليد، على حد علمي، يلبي مقتضيات هذه الطريقة. لذلك باشرت
منذ الآن العمل على تأليف كتاب يلبي هذه الحاجة. وأريد أن أضيف أن هذا العمل ليس
عملاً تجارياً، انما هو عمل لخدمة أطفال أمتنا، والمقصود به طاعة الله عز وجل. وقد
أعددت أيضاً برنامجاً تدريبياً للمعلمين الذين يريدون تعليم الأطفال وفقاً لهذه
الطريقة، ولكل من يريد الحصول عليه اما أن يرشدني الى كيفية اضافته الى مدونتي اما
أن يطلبه مني على بريدي الالكتروني.hassanmallat@hotmail.com
ان ما يجعلنا نركز على طريقة التعليم هو ما قامت به مراكز
الدراسات في الدول الغربية بالنسبة لهذا الموضوع والذي انطلق من حاجة فعلية وليس
من ترف نظري. نضيف أن النتائج التي توصلت اليها هذه المراكز تنطبق على عملتا في
مدارسنا، وذلك لأسباب عديدة، منها:
1 – أننا ننقل عنهم كل ما يعطوننا اياه سواء كان غثاً أو ثمينا.
2 – أن اللغة العربية هي كما اللغات اللاتينية لغة ألفبائية، أي
أنه ما ينطبق على هذه اللغات ينطبق على اللغة العربية بشكل عام. ولكن هذا لا
يعفينا من التفتيش عن الميزات الخاصة في لغتنا.
3 – أننا لا نملك مراكز دراسات تقوم بهذه الجهود.... الخ
اليكم ما قام به المركز الطبي النفسي التربوي في فرنسا عندما
طلب منه معرفة السبب في وجود نسبة تكاد تكون ثابتة في عدد التلاميذ الذين يعانون
من الفشل في القراءة. لقد تبين نتيجة الدراسة التي استمرت عشر سنوات ما يلي:
1 – هناك صعوبات لها أسباب عصبية: اضطراب في الأعصاب، ديسليكسيا،
... الخ.
2 – عدم كفاية بصرية أو سمعية عند الأطفال.
3 – العدد الأعظم من الحالات ليس له أسباب عضوية، وهذا ما تطلب
البحث المضني والذي امتد الى سنوات عديدة. أما النتيجة: أن هناك علاقة بين الفشل
في القراءة وطريقة التعليم المجملة في القراءة.
بعد الوصول الى هذه النتيجة رأى الباحثون أنه لابد من فحص هذه
النتيجة عمليا. وجدوا ما يلي:
يمكن تقسيم الصف الى ثلاث مجموعات:
أولا : ألأولاد الذين ليس لديهم أية صعوبات على صعيد البنية
(نفسية، جسدية، عصبية،...الخ). هؤلاء يمكنهم التعلم بصرف النظر عن الطريقة
المتبعة. الكتابة تسير مع القراءة.
ثانيا: ألأولاد الذين يعانون من صعوبات سيكولوجية (عصبية أو
عصابية) لا يمكنهم التعلم في سن السادسة، بصرف النظر عن الطريقة المعتمدة. وهؤلاء
يجب أن يحولوا الى التربية الخاصة.
ثالثا: العدد الأكبر من الأولاد والذين يجدون صعوبة في الصف
الأول والذين يعانون على أغلب الظن من نقص ما في النضج، فرغبتهم في تعلم القراءة
متناقضة. فنجد لديهم صعوبة في القبول بالحدود، والقواعد والرموز.
ما تقدم جعل المركز يستنتج أن طريقة تعلم القراءة يجب أن تأخذ
بعين الاعتبار النتائج الآنفة الذكر. من هنا وجب أن تكون طريقة تعليم القراءة
متوافقة مع تأقلم الطفل (صياغته) وكفايته الدماغية. لأن الفشل في القراءة يعود
بالدرجة الأولى الى المتعلم؟
هل أصبح ناضجا؟ هل لديه الرغبة في تملك المعرفة؟ ومن جهة أخرى
فهي مسألة طريقة أيضا. فالمقاربة البيداغوجية التي يختارها المعلم تساعد أولاً
الطفل على تقبل كونه متعلما. فالمجتع المعاصر يدعي أنه يهتم بالطفل. فهو يعتبره
"موضوعا" أي كياناً له أهمية خاصة، كما الشاب ولكن رغم ذلك فنحن لا نهتم
بالطفل على أنه كيان في حالة تكون (بناء الشخصية).
لذا فالطريقة التربوية المعتمدة يجب أن تأخذ بكثير من
الاعتبار عملية النضج السيكولوجي للطفل. وهذا النضج له تأثير كبير على تعلم الطفل
القراءة. فالطفل في عمر السادسة يجتاز مرحلة معقدة من التغيرات العميقة في علاقته
مع الآخرين ومع العالم.
• ما هي التبدلات التي يجب أن تتدخل في بناء شخصية الطفل حتى
يتمكن من تعلم القراءة في الصف الأول؟
• دور الأب أساسي منذ الولادة، ولكن الطفل مرتبط بعلاقة ثنائية
مميزة مع أمه. المسافة قليلة جداً بينه وبينها. في مخيلة الطفل هو وأمه متشابهان
تقريبا. يرآ أمه شبيهته، وبالتالي يندمجان. هو وأمه يشكلان كياناً واحدا، مع وجود
اختلاف طفيف.
• هذه العلاقة مع الأم من الواجب أن تتطور ارتقائياً حتى يصل
الطفل الى الكلام. وهي الخطوة الأولى التي يصل الطفل من خلالها الى شيء من النضج
يمكنه من أن يلج طريق التعلم، تعلم القراءة.
يجب أن يكبر الطفل حتى يقرأ.
حتى يكبر، على الطفل أن يقبل عدداً من الحقائق والتي تعتبر
باعثا على البؤس لديه. منها:
1 – المسافة الرمزية: حتى يتمكن الطفل من الانبناء (الصياغة)، من
الضروري وجود مسافة، مسافة رمزية، بينه وبين أمه. احدى مراحل هذه المسافة هو
الدخول الى الروضة (اي أن الدخول الى الروضة يجب أن يكون عاملاً مساعداً لبناء هذه
المسافة الرمزية والتي تعتبر من أهم العوامل مع عوامل أخر في صياغة شخصية الطفل
التي سوف تمكنه من الانفتاح على تعلم القراءة، هذا حسب عالم التحليل النفسي لاكان
وأخرين). عند عدم القبول بهذه المسافة فهذا يعني أنه من الصعب جداً على هذا الطفل
أن يقبل الدخول الى المدرسة: يبكي، لا يهتم بأقرانه من الأطفال ولا بالمعلمة فهو
يريد حصرياً العودة الى أمه.
الحضانة كصف لا يزال قريباً من الأم، أما الصف الأول فهو بعيد
نسبياً أكير من الأم.
2 – الفرق أو التباين: حتى يكبر، على الطفل أن يقبل التباين بينه
وبين أمه. هو وأمه ليسا متشابهين: لا يوجد موضوعان متشابهين. هذا صعب على الطفل
لأن الاختلاف يقلقه، المعروف يوحي بالأمان. والاختلاف صعب أيضاً لأن القبول به
سيجر الى القبول بحقيقة "أنه لا أحد يعرف كل شيء"، وباتالي ما من أحد
الا وينقصه أشياء، لذلك لا يحب الطفل وجود الفرق بينه وبين أمه. أما القبول به من
قبل الطفل فهو السبيل الأولى لصياغة الطفل لنفسه: فرق بين الداخل والخارج، بينه
وبين الآخر، بين الحقيقي والمتوهم، بين الفتى والفتاة، بين الشرعي والاشرعي ...
ولكن أيضاً بين الألف والباء.
3 – الموضع الرمزي للآخر: حتى يكبر، على الطفل أن يرفض العلاقة
بين اثنين فقط (هو وأمه) والقبول بالعلاقة الرمزية مع ثالث حتى ينفتح على العلاقة
مع الآخرين (على كثرتهم).هذا الاختيار يتعلق بالطفل ولكن بالأم أيضا. اذا رفضت
الأم أن يتبوأ ثالث هذا الوضع الرمزي، عندها سوف تكون لدى الطفل صعوبات كبيرة في
اقتحام هذه المرحلة الأساسية.
على أغلب الظن، الوالد هو المهيأ للعب دور العنصر الثالث، وهو
الذي عليه مساعدة طفله في سلوك هذا الطريق. هذه العلاقة الثلاثية هي التي سوف تفتح
الطريق واسعاً للعلاقة مع الآخرين: الرفاق، المعلمات، المدرسة، ... القراءة. كما
وأن وجود الآخر يتيح الانفتاح على النظام الرمزي الذي يبني أو يؤسس الحدود
والقواعد: الرمزية هي التي تؤسس العلاقات، هي التي تساعد الطفل على الانتقال من الحالة
الطبيعية الى الحالة الثقافية.
4 – العدول عن هيمنة الخيالي: طوال حياته، كل شخص بحاجة الى جزء
خيالي، ولكن الطفل عليه أن يتخلى عن هيمنة الجانب الخيالي. ففي البداية، يعمل
الولد بالطريقة الخيالية، ولكن الآخر، الثالث، الرمز كل هؤلاء سوف يتيحون للطفل أن
لا يستغرق في العمل الخيالي. الفكر الخيالي عند الطفل يكاد يتطابق مع ما يعيشه من
حكايات الجنيات والساحرات. فالعصا السحرية يمكنها أن تحقق جميع الرغبات، فكل شيء
ممكن من خلالها. يموت الولد في قصة الجنيات ولكنها تحييه، وتبني أحلى القصور في
لمحة عين. وعندما يتماهى الطفل مع الجنية يرى نفسه قادراً على أن يمسك بالكتاب
ويقرأ حيث يريد. وهو يفعل ذلك، ولكنه يقرأ من خياله وليس مما هو مخطوط في الكتاب.
التخيل أو على الأصح هيمنة التخيلي يعني التفتيش عن الفرح
المباشر (من غير جهد) وتحقيق الرغبات مباشرة. ولكن الواقع مختلف: تحقيق الرغبة لا
يكون مباشرة، يوجد فرح ولكن يوجد حزن أيضا، يوجد معارضة وحدود. وهذه أشياء يصعب
قبولها من الطفل، وخاصة ان لم تؤمن له العائلة المساعدة لتقبلها.
• حول الانتقال من الروضة الى الصف الأول:
ما تقدم من نقاط يبين أن الانتقال من الروضة الى الصف الأول
له أهمية تقريرية في صياغة الطفل: يجب الابتعاد وبصورة ارتقائية عن حضن الأم، وعن
التصورات التخيلية للعالم الواقعي حتى ينفتح على عالم الآخرين.
• لماذا هذا الانتقال يمكن أن يكون صعبا؟
لأن الطفل مهدد أصلاً بالخسارة، خسارة ما ينقصه، ان اقامة
مسافة (رمزية) بين الطفل والأم تعني أن الأم لن تؤمن جميع متطلبات الطفل و على
الطفل بالتالي أن يبذل مجهودا، وهذه خسارة. ان العلاقة الاندماجية مع الأم تؤمن
للطفل جميع متطلباته من دون أي جهد. وهذا بالطبع عالم تخيلي بشكل كبير لأن من غبر
الممكن أن يعيش الانسان طوال حياته في حضن أمه.
ان معرفة الطفل للتباين بينه وبين أمه (أي هو كيان وأمه كيان
آخر) تحمل الطفل على أن يأخذ بعين الاعتبار معنى الخسارة، لأن ما من أحد يمكنه أن
يملك كل شيء.
تجربة أخرى لها كبير الأهمية سيمر بها الطفل عندما يتخلى عن
هيمنة التخيلي لديه، تجربة في تحمل الخسارة، خسارة الراحة، وهو بذل المجهود من أجل
تعلم الحروف حتى ينفتح على القراءة ومن ثم يجد المتعة في المطالعة.
• ماذا نعني بالنضج؟
ان النضج العاطفي للطفل يتعلق بالطريقة التي ينفتح فيها على
مختلف المراحل التي سوف تتيح له المجال أن يبن ينفسه، أن يصوغ نفسه (se structurer). النضج هو نتاج صياغة
الطفل كوموضوع، ككيان (مستقل). انها تتجلى مثلاً في الرغبة والقدرة على استقلالية
الطفل، في رغبته بأن يتملك بنفسه المعرفة، بقبوله الارتقائي للتفتح، وبقبوله أن
يعارضه الآخرون وبقبوله بالتالي المفروضة (normes ).
النضج هو هدف. ان صياغة الطفل (structuration) للوصول
الى النضج العاطفي لا تنتهي في عمر محدد. لا يمكننا القول أن الطفل أصبح ناضجاً
لأنه بلغ من العمر ثماني سنوات. ان الصياغة تبدأ من الولادة وتنتهي مع الموت. لا
يوجد انسان مثال للنضوج حتى نتخذ سلوكه معياراً. ولكن ما يمكننا فعله هو أن نقول
أن هناك بعض الميزات التي تجعل من الطفل مؤهلا للقيام بمهام معينة ومنها على سبيل
المثال تعلم القراءة. أي بصيغة أخرى ان لدى هذا الطفل من المؤهلات ما يجعلنا نقول
عنه أنه ناضج.
حاليا، هناك عدد متزايد من الأطفال يصل الى الصف الأول ناقص
النضج (غير ناضجين بصورة كافية). انهم أطفال نشطون، أذكياء، فطنون ولكنهم طائشون.
ليس لديهم القدرة على تقديم أقل جهد ضروري لاكتساب المعرفة،ليس لديهم الرغبة حقيقة
أن يمتلكوا المعارف.
• هل أصبح تعبير النضج مشوشا؟
في أكثر الأحيان يعتبر الطفل ناضجاً لأنه كثير الحركة. وأخذ
هذا العامل فقط في عين الاعتبار يقود الى غموض ولبس كبير بالنتائج: التعامل مع
الأطفال وكأنهم مكتملي النضج علماً أنهم ليسوا كذلك، وخاصة على الصعيد العاطفي.
وهذا يساوي منع الأهل أولادهم من تخطي جميع المراحل التي تقود الى النضوج الحقيقي.
ان التمييز بين النضوج الحقيقي والنضوج الظاهري يتيح للطفل
عدم الوقوع في الفشل. كما وأن النضوج الفكري المبكر عند الطفل لا يعني أبدا أن
نضوجه العاطفي كذلك. لذلك فالتعامل مع هذا النوع من الأطفال يكون أكثر صعوبة في
أكثر الأحيان.
• كيف تتدخل عملية الصياغة (structuration) في
تعلم القراءة؟
1 – تحدثنا عن المسافة الرمزية (distance
symbolique):
خلال مرحلة الروضة يأخذ الطفل "مسافة" ما بالنسبة
لأمه و التي تتيح له مع تطورها أن يصبح مستقلا. ان القبول بهذه المسافة يتطلب رفض
الطفل لفكرة أن يكون مرتاحاً جداً مع أمه: ان الرغبة بتعلم القراءة تتعلق بهذا
النضج. فاذا أصر الطفل على التخيل بأنه يملك كل شيء، وساعدته أمه في هذا التصور،
عندها يصبح غير محتاج للتعرف على معلومات جديدة لأن أمه تلبي حاجته بما ينقصه.
من دون رغبة مستقلة للطفل، متميزة عن رغبة الأم، لا مكان
للرغبة في التعلم والمعرفة. ان الطفل الذي يتقبل بصورة سلبية التعليم المعطى له لا
يحفظ المعلومات لأنه ليس لديه الرغبة بامتلاكها. وهذا ما يجعلنا نعتقد بأن لديه
معاناة في الذاكرة. كما وأن الافتقار للرغبة في المعرفة تتجلى بمظهر آخر: نرى
الأولاد يهتمون بكل شيء ولكنهم لا يركزون انتباههم على أي شيء.
مظهر آخر: الولد الذي لديه الدافع في أن يبقى مشدوداً لنظر
البالغ عندما يطلب منه القراءة. فهو يعتقد بأن البالغ فقط يملك المعرفة وهو
لايمكنه أن يعرف. فالمشكلة الحقيقية هي عدم وجود الرغبة في الاستقلالية: البالغ
يعرف (أي الأم تعرف) اذن ليسللطفل حاجة بأن يعرف (فهناك تماه بينه وبين أمه).
تعلم القراءة هو أول عمل للكبير، سوف يباشره الطفل. وهذه
الممارسة تلعب دور "الكاشف" عن وجود أو عدم وجود الرغبة عند الطفل.
• ما العلاقة بين"المسافة الرمزية" و"اللغة
المكتوبة"؟
"المسافة الرمزية" تحدد أن "الانفصال" عن الأم
ممكن، وهو في طريق التحقق. هذا الانقطاع الرمزي ضروري لتحول الطفل الى كيان مستقل،
كما وأنه ممر مفروض لانفتاح الطفل على اللغة المكتوبة. فالقراءة تستدعي
"اشارات" لغوية حيث أن عملها يستدعي التقطع في السلسلة الصوتية. وخلاف
ذلك لا نصل لأي معنى: "مادامهنا" هي غير "ما دام هنا".
اذن يجب تصحيح التقطعات عقلياً أو ترتيبها حتى تتمكن من فهم
جملة مكتوبة من غير تقطيع. "الترقيم" له وظيفة تقطيعية، فعدم احترام
الترقيم طوعاً هو دلالة على عدم النضج عند الطفل.
من جهة أخرى، هذه الاشارات (الكلمات المكتوبة) هي تمثيل
(فكلمة "حمامة" ليست "صورة" ا لحمامة، انما تمثيل لها). الصورة
تفرض تطابقاً مباشراً مع ما تمثل، أما الكلمات فلا، لذا التمثل بالكلمات يفرض
القبول بمسافة رمزية بين الكلمات وما تمثل.
متعلم القراءة يفتش دائماً عن الصورة، لأنها تفتح له طريقاً
مباشراً للمعنى. اذا كان لدى الولد تحفظات على قبول "المسافة الرمزية"
بينه وبين أمه، فسوف نجده لا يهتم، اختياريا، بالرموز اللغوية التي تمثل المسافة
الرمزية بين المعنى والطفل، ويفضل التطلع الى الصورة.
2 – الفرق أو التباين:
توضيح: الصوتم هو عنصر صوتي للغة المفصلة. أما الروسم فهو
تمثيل للكلام كتابة.
من حيث اللفظ، ان ما يميز "ق" عن "ك" هو
مخرجهما المختلف، وهذا الاختلاف هو الذي يجعلنا نميز "الكلب" عن
"القلب". "فالفرق" أو "التباين" لا يمكن تجاوزه على
صعيد الصوتم. أما على صعيد الروسم فهذا الذي يجعلنا نميز "درك" عن
"درك".
اذا كان الولد لا يقبل بالفرق، بالاختلاف، سوف يجد صعوبات
كبيرة في تملك رموز القراءة، المستندة بصورة قطعية على الفرق والتباين بين رسمها
وما تمثل من معان، لذلك نرى بعض الأولاد الذين لا يقبلون بالتباين لا يجدون فرقاً
بين الحروف المتقاربة بالشكل، بل يحاولون البرهان للآخرين أنها كذلك. (مثال ت وث).
3 – ما العلاقة بين "الثالث"، "الرمزي" وتعلم
القراءة؟
علينا التنبه الى أن "الأنساق الرمزية" تقيم علاقات
واسطة بين الموجودات، أي أن العلاقة بين "الهو" و"الآخر"
يتوسطها رمز، لا تكون فورية من غير وسيط. (أي أن "الهو نمثله برمز له، وكذلك
"الآخر"، وبذلك تتوسط الرموز العلاقات القائمة).
المدرسة هي مكان "آخر" "ثالث" بالنسبة
للطفل، ويمكنه بالتالي أن يميزها بسرعة كبيرة. الطفل بحاجة لعدة أيام ضرورية حتى
يتمكن من تقبل هذا المكان وهؤلاء الناس "الغرباء" الذين يضعون في دائرة
"الخطر" علاقته الآمنة والحصرية أحياناً بأمه. ان الشكوى من الواجبات
المدرسية، من قبل الأهل، هو برهان على أن المدرسة تمثل "الثالث" بالنسبة
للطفل. فالرهانات العطفية والتعليم لايعيشان أغلب الأحيان في وفاق. على المعلم أن
يتموضع بشكل يتيح للطفل أن يتعلم من غير تأثير على العلاقة الخاصة التي تربط الطفل
بأمه.
القراءة (اللغة المكتوبة) هي علاقة جديدة للطفل مع
"الآخر". "الآخر" هنا هو الرمز اللغوي الذي سوف يعبر بالطفل
من الملموس الى المجرد، من الصورة الى المفهوم.
القراءة هي جزء من النسق الرمزي لأنها تستند الى قواعد
وقوانين حكمية تعسفية (أنت تقبل قواعد اللغة رغماً عنك). علينا مساعدة الطفل على
قبول هذه القواعد الغريبة حتى يتمكن لاحقاً أن يتواصل مع الآخرين (الغرباء). ان
ولداً غير "ناضج" سوف يتحاشى الانفتاح على نص كتبه "ثالث"
مجهول يسبب له القلق (لأنه آخر ومجهول).
قوانين اللغة تفرضها طائفة اللغة، واكتساب اللغة المكتوبة
يعني القبول بالانخراط في هذه الطائفة أي عبور رمزي الى الطائفة الجديدة.
4 – لماذا على الطفل رفض التفشي المرضي للتخيلي حتى يتعلم
القراءة؟
اذا ظل الطفل متمسكاً أو متمترساً بالتخيلي، اذا استمر
بالتصور بأنه قادر على كل شيء، لايمكنه أن يباشر تعلم القراءة التيي تتميز بقواعد
وقانون لا يمكننا اكتسابها وتعديلها بضربة من العصا السحرية. لذا يمكننا أن نلتقي
مع متعلمين يتحاشون التهجئة، يخترعون نصاً لا علاقة له بما هو مكتوب، انهم
"يبنون" قصة خاصة بهم. وهذا دلالة على هروبهم من تعلم الرموز الذي
يستدعي جهدا. ينظرون الى الصورة ويقرأون وفي هذا دلالة على هيمنة التخيلي. انهم
يهربون من الحقيقة (ضرورة تعلم الرموز للتمكن من القراءة) ويلجأون الى عالم غير
موجود، انهم يبقون في الخيال.
بعض الأولاد الذين لا ينخرطون في تعلم القراءة يقولون أن
لديهم الرغبة في التعلم. هذه الرغبة ليست سوى العصا السحرية التي يريد أن يستخدمها
لمباشرة القراءة من دون أن يتعلم الأحرف والقواعد وغيرها. ومع ذلك يريد أن يقرأ
مثل الكبار. ان الرغبة في التعلم تفترض أن الولد يعرف ويقبل أن اكتساب القراءة
يوجب تعلم الرواسم والتهجئة.
فضلاً عن ذلك، فان تملك الطفل للرموز سوف يمكنه من القراءة
والفرح والمتعة بما يقرأ. فالجهد الذي بذله في التعلم سوف يوجد له انشراحاً بعد
حين وهذا ما يناقض التصور الخيالي بالقدرة على الوصول الى المتعة من دون اي جهد.
الانتقال من الروضة الى الصف الأول تستدعي جهداً على الأهل أن
يبذلوه حتى يساعدوا طفلهم على اجتياز هذه المرحلة الهامة من حيث استكمال النضج
العاطفي للطفل حتى يتمكن من الانفتاح على الاستقلال الذاتي، أي بناء شخصيته
المستقلة. وهذا شرط في تعلم القراءة.
وبالعكس من ذلك، يبدو بأن الطرق الأكثر استخداماً في تعليم
القراءة، الطرق ذات الانطلاقة المجملة، لا تساعد الأطفال قليلي النضج أن يندرجوا
في تعلم القراءة. فهي تشجع الولد على أن يحفظ صورة الكلمة لا أن يقرأها. وهكذا
نكون قد عززنا عدم النضوج: فالكلمات أصبحت صوراً، في الوقت الذي علينا فيه اخراج
الطفل من الوضع التخيلي الى وضع يتقبل معه الرموز. وفي حين علينا تعزيز
الاستقلالية لديه حتى ينفتح وحيداً على عالم القراءة من خلال تعليمه الرموز، نقوم
بعكس ما يجب القيام به بتأكيدنا على تعليمه الكلمات كصور للحفظ وليس للقراءة.
كما وأنه من وجهة نظر سيكولوجية فان الطرق المجملة لا تبدو
مقبولة بالنسبة للأطفال في سن الست سنوات. ان الأبحاث الطبية قد أكدت هذا الكلام:
الأستاذ "لوسيان اسرائيل" لم يتردد بالكتابة أن
المقاربة الاجمالية (في تعليم القراءة) هي تفسير معكوس بالمطلق. يقول: "لقد
تم البرهان والتأكيد وبصورة قطعية أن مركز اللغة عند جميع الذين يستخدمون اليد
اليمنى وبعض الذين يستخدمون اليد اليسرى هو في الجزء الأيسر من الدماغ. انه مركز
"التحليل" وتشريح المعطيات. بينما الجزء الأيمن هو مركز الحجز المجمل
والحدس والدلالات الاضافية والمجاز.
الصينيون يفسرون، يتعلمون ويحفظون بواسطة الدماغ الأيمن.
تحليل الرموز والمقاطع وبعدها المعنى الحاصل هي منأعمال
الدماغ الأيسر. لا يمكن للمتعلم القراءة بواسطة الدماغ الأيمن الا أن يغفل ما يسمى
القراءة التقريبية والمعنى التقريبي. وكذلك في المستقبل بالنسبة لاعراب
الكلمات". انتهى كلام البروفيسور اسرائيل.
الدكتور "ويتيستين بدور" وهو عالم أعصاب، كتب أيضا:
" الخيارات البيداغوجية تكيف أناتومية وصياغة الدماغ". وهي تحدد أن
المقاربة الاجمالية، أو الانطلاقة الاجمالية تنمي أولاً منطقة الصور علماً أن
عليها أن تنمي التحليل.
"اليز تامبل" قامت بتجربة على عشرين طفل يعانون من
الديسلكسيا. تبين نتيجة هذه التجربة أنه عندما تعلم الأطفال القراءة بالطريق
المقطعية أصبحت أدمغتهم متشابهة تقريبا مع أدمغة الأصحاء.
ان وجهة نظر علماء الأعصاب جاءت لتؤكد الفرضية: ان تعلماً
للقراءة بشكل سيء يساعد على تثبيت آلية للدماغ من النمط الديسلكسي. هؤلاء يسمون
الديسلكسيون بالخطأ.
اذا فكرنا بأن المهم تعليم المفاتيح (الأحرف) والمؤالفة منذ البداية
لأن الطفل بحاجة الى هذه الأدوات لبناء معرفته، نكون قد قمنا بواجبنا اتجاهه. هذه
هي الطريق الوحيدة التي تمكن الطفل من الانفتاح على القراءة أي الانفتاح علليست هناك تعليقات:
ى
العلم وعلى الثقافة.
الدكتور "ميشال مازو" عالم نفس وأعصاب، يقول: من
وجهة نظر الكفايات الدماغية، لانتعلم القراءة كما نتعلم الكلام. اللغة المكتوبة لا
يمكن تعلمها الا بواسطة المبدأ الألفبائي الذي يصل كل شكل بصوت. فمن الضروري اذن
أن نعطي هذا المفتاح للولد في أبكر وقت ممكن، منذ بداية التعلم. فالقراءة الموثوقة
لا يمكن أن تنتج عن أحجية. ما من أحد يلجأ الى عمليتين مختلفتين متميزتين جيداً
حتى يقرأ. فالتهجئة هي بناء التعلم، بينما الكلمة على أنها صورة هي طريق مباشر
وهاتان طريقتان متناقضتان تلجأ اليهما الطريقة المختلطة. وهذا ما يجعلنا نقول أنه
اذا كنا نجهل العمليات التي يقوم بها الدماغ من أجل القيام بالقراءة فهذا لا يعني
مطلقاً عدم وجود هذه العمليات.
سواء كان القارىء مبتدئاً أو مجيداً، فالتهجئة والعلاقة مع
المخزون اللغوي والنحوي للقارىء هي التي تفعل فعلها مضافاً اليهما الصورة السماعية
للكلمة. اجتماع هذه العناصر جميعها هو الذي يؤمن قراءة جيدة.
مرسلة
بواسطة فكر
وتربية في 10:45 م التسميات: تربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق