الثلاثاء، 30 سبتمبر 2008
التقوى
حسن ملاط (لبنان)
hassanmallat@yahoo.fr
مع إطلالة رمضان لا بد لنا من التحدث في موضوع من وحي هذا
الشهر الفضيل. فهذا الشهر يحمل ذكريات وذكريات: يوم الفرقان (يوم بدر)، فتح مكة،
تحرير القدس أيام صلاح الدين، الحرب الوحيدة التي حققت فيها الجيوش العربية
اختراقا للعدو الصهيوني كانت في رمضان. انه رمضان الخير.
يقول تبارك وتعالى: "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين
من قبلكم لعلكم تتقون". فالصيام إنما للتقوى! سوف يكون حديثنا عن التقوى.
يقول تعالى في محكم آياته: "وتزودوا فان خير الزاد
التقوى".
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأحسن قال: أتقاكم.
التقوى في اللغة كما جاء في "لسان العرب" لابن
منظور عن أبي بكر أنها الاسم من فعل توقى أو اتقى والمعنى أنه موق نفسه من العذاب
والمعاصي بالعمل الصالح.
أما المدلول الديني للتقوى فمخافة الله وطاعته والعمل لوجهه
تبارك وتعالى. أي أن عمل المؤمن لا يكون من أجل منفعة دنيوية يتوخاها في الأصل
إنما لمرضاة الله عز وجل. فالمسلم الذي يذهب إلى الحرب للحصول على مغانم لا يكون
عمله لإعلاء كلمة الله فلا يؤجر بالتالي على مشاركته في الحرب. وإلا ما الذي دفع
مجاهدي المقاومة الإسلامية لمحاربة أعتى قوة في المشرق، أعني الكيان الصهيوني
الغاصب، وتحقيق الانتصار تلو الانتصار لولا طمعهم في مرضاة الله وطمعا في جنته.
أحبوا الشهادة بحبهم لله. وكذلك يفعل أقرانهم في المقاومة الإسلامية في العراق
الذين يقاتلون أشرس وأبغى قوة عرفتها البشرية حتى الآن، غير آبهين بهذا العدو مسطرين
أروع ملاحم البطولة ضد هذا العدو الباغي.
ما هو شرط التقوى؟ لا تقوى من دون التوحيد. إن الإيمان بلا
اله إلا الله هو الشرط المطلق لوجود التقوى. وهذا الإيمان يكون مطلقا أيضا. بمعنى
أن الإنسان الذي يؤمن بالتوحيد يعلم أن الله هو الخالق والعالم والمالك والقدير
والرزاق ...الخ
يقول تعالى: "يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا
وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون
الله... أي عدم عبادة القوة المادية أو الاقتصادية أو القنبلة الذرية، أو أميركا
أو إسرائيل كما يحصل اليوم في ساحتنا اللبنانية حيث نرى البعض ممن ينتمون إلى
شعبنا يتبارون في التقرب من مختلف أنواع الأعداء تآمرا على إخوانهم في الدين
والوطن. كما ويتبارون أيضا بالتآمر على السلاح الذي حقق الانتصارات المتتالية على
العدو الإسرائيلي، مستخدمين أسف أنواع التحريض المذهبي والطائفي، عوض أن تكون
المباراة مع هؤلاء المجاهدين في: من بإمكانه أكثر من الآخر تحقيق الانتصارات على
هذا العدو الغاصب.
عدم اتخاذ بعضنا بعضا أرباباً من دون الله تعني أيضا عدم طاعة
الزعيم كطاعتنا لله أو أشد من ذلك. وعدم خوفنا منه وخشيته أكثر من خشيتنا لله كما
جاء في الكتاب الكريم. إن الانقياد وراء الزعماء السياسيين بما لا يرضي الله إنما
هو نوع من أنواع الشرك. ومن كان كذلك لا يمكنه أن يكون من المتقين المبشرين بأحسن
الثواب من رب العالمين. نعبد الزعيم من أجل حصة غذائية، أو من أجل قطعة سلاح نقتل
فيها أبناء جلدتنا وليس أعداء الأمة وأعداء الشعب وأعداء الله. نلتحق بالزعيم
كالأنعام يأخذنا حيث يشاء ويقاتل فينا منافسيه من غير أن ندري لماذا نصاحب فلانا
أو لماذا نعادي فلانا. يقول تعالى مخاطبا النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم:
"وشاورهم في الأمر وإذا عزمت فتوكل على الله". لا زعيم معصوم ولا زعيم
يشاور محازبيه. ألله تبارك وتعالى يحترم عباده أما الزعيم فيحتقر عباده ورغم هذا
يتبعونه كتلك الأغنام التي تلحق براعيها كيفما ذهب. وقانا الله. إن المتقين هم
الذين يعبدون الله وحده لأنه الوحيد أهل للعبادة ولا يشاركه أحد في هذا الأمر:
يحيي ويميت.
والله يرزق من يشاء بغير حساب.
والله يعلم وأنتم لا تعلمون. وعلم آدم الأسماء كلها.
فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير.
والله يؤيد بنصره من يشاء. وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.
إن الإنسان الذي ينبع إيمانه بالتوحيد مما تقدم من الآيات الكريمة
وغيرها الكثير مما يراه ويلمسه يوميا، هذا الإنسان هو الذي يمكنه أن يخاف الله
كأنه يراه. هذا الإنسان هو الذي يمكنه أن يجابه الطواغيت من غير وجل ولا فزع. لأن
الطواغيت مهما علوا هم لا شيء أمام عظمة الله عز وجل. إن من رأى عظم قوة العدو
الإسرائيلي أبان عدوان تموز الأخير يتيقن كل اليقين أن النصر التي حققه مجاهدو
المقاومة الإسلامية إنما هو نصر الهي وبكل ما للكلمة من معنى. إنها رمية إلهية
رماها هؤلاء المقاومون: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.
أما شرطية التوحيد لوجود التقوى فهي ظاهرة وواضحة من الآيات
الكريمة التالية:
يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم
تتقون– الذين آمنوا وكانوا يتقون– وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون. فالتقوى إذن
كما ترون تأتي دائما مع الإيمان.
أسباب التقوى:
يقول تبارك وتعالى: "وكان الإنسان أكثر شيء جدلا".
أن الإيمان بالله لا يكون لمصلحة آنية للمؤمن؛ علما أن الله
لم يطلب من الإنسان الإيمان هكذا ومن دون تفكر في خلق الله وآياته، لأنه يعلم أن
الإنسان أكثر شيء جدلا، فهو خالقه. لذلك يعطي الإنسان أسبابا وعللا لإيمانه، فكيف
لتقواه؟ فالتقوى تكون لأسباب أوردها الله عز وجل حتى يفهم الإنسان ويعي وتكون
تقواه عن دراية ومعرفة وتدبر. يقول تبارك وتعالى:
واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين.
واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب.
واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون.
واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
هذه من الأسباب وغيرها الكثير تجعل الإنسان الذي يملك أدنى
درجة من الوعي يعلم مدى ضرورة التقوى له حتى يكون أولا من الناجين مما أعد
للكافرين ويبشَر بما أعد للمتقين.
آثار التقوى:
للتقوى آثار تظهر عند المتقين. وقد بينها الله في كتابه
الكريم سوف نذكر بعضا منها، على سبيل المثال لا الحصر.
الهدى: يقول تعالى: "ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى
للمتقين". كلام واضح ومنير. الكتاب كتاب الله هدى للمتقين. فالهدى يكون
للمتقين لأن التقوى هي أسبق من الهدى. ولا يهتدي إلا المتقون. فالإيمان بوحدانية
الخالق أولا والتقوى ثانيا وبعدها الهدى: "هذا بيان للناس وهدى وموعظة
للمتقين". فالبيان للناس جميعا ولكن الهدى والموعظة هي للمتقين فقط.
الفرائض: يمكن لكل إنسان أن يقوم بالفرائض التي أوجبها الله
تبارك وتعالى على المسلمين ولكن القيام بالفريضة ليس تقليدا مفروضا ولكنه تقوى.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا
صلاة له" أي أن الفريضة يجب أن تترك آثارها على سلوك المسلم. لذلك نرى القيام
بالفرائض مربوطاً بالتقوى:
الصيام: كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم
تتقون.
الزكاة: فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة.
الصلاة: واتقوه وأقيموا الصلاة.
الحج: ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.
الجهاد: اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.
السلوك: يقول تبارك وتعالى: "ليس البرَّ أن تولوا وجوهكم
قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب
والنبيين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل
والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا،
والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون".
من هذه الآية الكريمة يظهر بوضوح أثر التقوى على سلوك المؤمن
وذلك:
1- الوفاء بالعهد: بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين.
2- الصبر: وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا- من يتق ويصبر
فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.
3- الصدق: فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا.
4- الأمانة: فليؤد الذي اؤتمِن أمانته وليتق الله ربه.
5- الإحسان والعطاء: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره
لليسرى- للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم- إن الله مع الذين اتقوا والذين هم
محسنون.
6- الإصلاح: وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما- فمن
اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
7- العمل ومحاسبة النفس: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر
نفس ما قدمت لغد.
8- عدم أكل الربا: لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله
لعلكم تشكرون.
من الصعب علينا إحصاء جميع آثار التقوى على سلوك الإنسان
المؤمن ولكنه لا بأس من الاكتفاء بذكر هذه الصفات عسى أن يجعلنا الله من المتقين.
المقالات تعبر عن آراء كاتبيها
المصدر: مجلة العرب والعولمة
تشرين الأول - اوكتوبر 2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق