الخميس، 16 أكتوبر 2008
اطلالة
على الأزمة الراهنة
منذ حوالي الف ومايتي سنة وقف هارون الرشيد على شرفة قصره
ونظر الى الغيمة التي أبت أن ترسل ما تحمل من خير فوق بغداد، عاصمة ملكه، وقال لها
"اذهبي أنى شئت فان خراجك سيعود الي".
وما أشبه اليوم بالبارحة، ولكن مع تغير الشخصيات. فبوش يقف
وقفة الأسد فوق فريسته ويتحدث الى العالم بأجمعه (فريسته)، عربه وعجمه، اوروبيه
وأفريقيه وجيرانه الأميركيين أيضا، ويقول لهم: سوف أظل أستهلك على هواي وأوهمكم أنني
أسدد ثمن ما أستهلكه وسوف تظلون تدفعون بدل استهلاكي موهمين أنفسكم أنكم لا تدفعون
ثمن ما أستهلكه. ثم يضيف متحدياً وافعلوا ما شئتم.
يومياً يدبج الكثير من المقالات واصفة هذه الأزمة وامكانية
حلها. والملفت للانتباه هو أنني لم أر مقالاً أو دراسةً تقول لنا لماذا اذا تأزمت
في الولايات المتحدة الأمريكية سوف يحصد العالم أجمع ارتدادات الأخطاء الأمريكية.
تأزمت في أمريكا فبدأ انخفاض اليورو مقابل الدولار. ومن المعروف أنه عندما تكون
أزمة اقتصادية في احدى الدول، يكون انعكاس هذه الأزمة انخفاض قيمة نقدها. أما
الدولار فقد تحسن سعر صرفه مقابل اليورو. وعندما بدأ ارتفاع السعر الجنوني للنفط،
كان التبرير أنه ناتج عن انخفاض سعر الدولار مقابل اليورو والين و... فما بال
البترول ذاهب الآن، الى الانخفاض بوتيرة أسرع من وتيرة ارتفاعه عندما كان سعر
الدولار منخفضا؟ هل بسبب ضعف الاقتصاد الأمريكي. وبذلك يكون الجواب نفسه: اذا
ارتفع سعر البترول أو انخفض سعر البترول يكون بسبب ضعف الدولار. أنا لا أتحدث
للتسلية انما أنقل ما يكتبه "الخبراء".
طالعتنا وسائل الاعلام اليوم بالنبأ التالي: انخفاض كبير في
البورصات الأسيوية (المقصود اليابان والصين وتايوان وهونغ كونغ والهند...) وانخفاض
في سعر البورصات في أوروبا والدول الخليجية وذلك ناتج عن انهيار البورصة في وول
ستريت في نيويورك. تغيم في أمريكا وتمطر في كل القارات! ألا يعني هذا بصيغة أخرى
أن هنا سوقاً واحدةً لها استقلالية وجميع الأسواق الأخرى تابعة؟ من الأكيد أن
ديغول سعيد في قبره حيث أنه لا يرى أن جميع جهوده التي قام بها من أجل ايجاد
أوروبا مستقلة عن التبعية لأمريكا قد باءت في الفشل. على الصعيد العسكري وعقب
الحرب الأمريكية على صربيا أعلن وزراء الدفاع في الاتحاد الأوروبي أن آلتهم
العسكرية متخلفة أي أنها غير مهيئة لخوض حرب والانتصار. أما على الصعيد الاقتصادي
فما علينا الا أن نتفرج على انهيار جميع الاقتصاديات في العالم بسبب تبعيتها
للاقتصاد الأمريكي. اذن في هذا العالم يوجد دولة واحدة مستقلة هي الولايات المتحدة
الأمريكية.
العالم أجمع يعلم أن حجم الانتاج الأمريكي يساوي حوالي خمسة
عشر تريليون دولار. و العالم أجمع يعلم أن الكتلة النقدية التي يتعامل فيها
الأمريكان في بلادهم هي عشرين ضعف حجم انتاجهم القومي، رغم الاحتيال في حسابهم
لحجم الانتاج القومي كما قال أحد الخبراء الآقتصاديين. أي هناك 285 تريليون دولارا
ورقيا من غير قيمةً. لماذا السكوت عن هذا الأمر الذي يهم العالم بأجمعه؟ هناك
أجوبة مباشرة. منها على سبيل المثال لا الحصر:
1 – لأن مصالح الطبقات المسيطرة على صعيد العالم الرأسمالي واحدة.
2 – لأن الاقتصادات في الدول الأخرى تابعة للاقتصاد الأمريكي.
3 – لأن الانهيار في الاقتصاد الأمريكي سوف يؤدي حتماً الى انهيار
الاقتصاديات الأخرى...
ولكن الأنكى من جميع ما تقدم هو عندما ترى توصيفاً للأزمة من
خبراء تابعين للدول المنتجة للنفط. يتحدثون وكأنهم محقون بتبعيتهم لأمريكا. انهم
يقدمون الطاقة للأمريكان ويأخذون بدل هذه الطاقة أرقاماً وهمية لاقيمة لها. وأضف
الى ذلك أنهم حتى هذه الأرقام الوهمية قد خسروها. نتعامل مع أمريكا باقتصاد حقيقي
وتتعامل معنا باقتصاد وهمي ونقبل بذلك. هل يعقل ذلك؟ وكيف يمكن تفسيره الا
بالتيعية المطلقة. أي التخلي عن مصالح أمتنا واعطائها لأمريكا من غير بدل الا حماية
العروش المنهارة.
نصل الى السؤال التقليدي، هل من خروج من هذه الأزمة؟ هناك
الكثير ممن تحدث أن هذه الأزمة بنيوية ولا يمكن للنظام الرأسمالي الخروج منها،
علماً أن أزمة 1929 كانت أكبر منها بكثير فقد كان هناك كساد امتد لأكثر من أربع
سنوات. ولما يصل الاقتصاد الأمريكي الى الكساد في أزمته الراهنة. لا تزال الأزمة
مالية ولم تتحول بعد الى أزمة اقتصادية. وعلينا أن نضيف بأن العالم بأجمعه يتكاتف
للدفاع عن استغلال الأمريكي له، وكلنا يرى مئات المليارات التي ضخت من أجل حماية
استمتاع الأمريكي بخيرات العالم من غير مقابل. أي يمكننا القول أن النظام المعولم
سوف يتمكن من تجاوز هذه الأزمة وبصعوبة كبيرة لأنه لا وجود لقوى حية منظمة يمكنها
من أن تكون بديلا لهذا النظام الظالم. وحيث أن الطبيعة لا تقبل الفراغ فلا بديل
لهذا النظام الا هذا النظام ويا للأسف!
قبل أن أختم أود أن أشير الى أن السبب الحقيقي لهذه الأزمة هو
أن الأمريكي أراد أن يعطي قيمة لما ليس له قيمة حقيقية، فأبت الطبيعة ذلك. 285
تريليون دولار من غير تغطية أي من غير قيمة حقيقية يتعامل فيها الأمريكي يعطيها
للناس بدل قوة عملهم، يكتشفون أنها من غير قيمة. ألم نقل في بداية المقالة أننا نوهم
أنفسنا بأن الأمريكي يدفع ثمن استهلاكه. التوازن الحقيقي يحصل عندما تصبح الكتلة
النقدية في العالم موازية لقيمتها الحقيقية من الانتاج. أما التغيير فلا يتم
تلقائيا، انما هو بحاجة الى قوى حية.
حسن ملاط
مرسلة
بواسطة فكر وتربية في 8:29 م
التسميات: إقتصاد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق