بحث هذه المدونالهجرة النبويةة الإلكترونية

حسن ملاط

صورتي
القلمون, طرابلس, Lebanon
كاتب في الفكر الاجتماعي والسياسي والديني. تربوي ومعد برامج تدريبية ومدرب.

الثلاثاء، 23 مايو 2023

البقاء

 

الثلاثاء، 30 سبتمبر 2008

تحديث

نهاية الحياة وبدء البقاء
ترجمة تطوعية: حسن ملاط

في سنة 1854 عرض الرئيس الأمريكي على هنود قبيلة "سوكواميش"، في شمال شرق الولايات المتحدة، أن يتركوا أرضهم ويبادلوها بالحياة في احدى المحميات. وهذا هو الجواب الرائع للرئيس (Seattle 1 (1786 – 1866 وهو مشهور ولكنه لم ينشر الا قليلاً كمقتطفات.

كيف يمكنك شراء أو بيع السماء أو حرارة الأرض؟ الفكرة تبدو لنا غريبة. اذا كنا لا نملك رطوبة الهواء وبريق السماء، كيف يمكنك أن تشتريها؟
كل جزء من هذه الأرض مقدس عند شعبي. كل ابرة صنوبر لامعة، كل شاطيء رملي، كل قطعة ضباب في الغابات المعتمة، كل ممر في الغابة وكل طنين من حشرة هو مقدس في ذاكرة وتجربة شعبي.
النسغ الذي يسيل في الأشجار يحمل ذكريات الرجل الأحمر. أموات الرجال البيض ينسون البلد الذي ولدوا فيه عندما يذهبون للتنزه بين النجوم. أمواتنا لا ينسون أبدا هذه الأرض الرائعة، لأنها أم الرجل الأحمر. نحن جزء من هذه الأرض وهي جزء منا. الأزهار العطرية هي أخواتنا. الأيل، الحصان، النسر الكبير، هؤلاء اخوتنا. القمم الصخرية، الغذاء في السهول، حرارة المهر، والإنسان كلهم ينتمون الى نفس العائلة.
أيضا، عندما يبعث الرئيس الكبير في واشنطن يقول أنه يريد أن يشتري أرضنا، هل يطلب الكثير منا؟ الرئيس الكبير يبعث يقول أنه يخصص لنا مكانا يمكننا أن نعيش فيه حياة مريحة. يصبح ابانا ونصبح أولاده. علينا أن نعتبر اذن هبتك بشرائك أرضنا. ولكن هذا لن يكون سهلا. لأن هذه الأرض مقدسة بالنسبة لنا.
هذه الماء المتألقة التي تسيل في السواقي والأنهار ليست ماء فحسب، بل هي دماء أجدادنا. اذا بعناك قطعة من هذه الأرض، عليك أن تتذكر بأنها مقدسة وبأن كل لمعان طيفي في الماء الصافية في البحيرات يتحدث عن وقائع وذكريات شعبي. خرير الماء هو صوت والد أبي.
الأنهار هي أشقاؤنا، فهي تروي عطشنا. الأنهار تحمل زوارقنا وتغذي أولادنا. اذا بعناك أرضنا، يجب عليك من الآن فصاعدا أن تتذكر، وتعلمه لأولادك، أن الأنهار هي اخوتنا وأخوتك، وعليك أن تظهر لها، من الآن فصاعدا، المودة التي تظهرها للأخ والشقيق.
نحن نعلم أن الرجل الأبيض لا يفهم عاداتنا. كل جزء من الأرض، بالنسبة له، مشابه للآخر، لأنه غريب يأتي في الليل ويأخذ من الأرض ما يلزمه. ألأرض ليست أخوه، بل عدوته، وعندما يقتحمها، يذهب بعيدا. فهو يترك قبور أجداده، وهذا لا يقلقه. يغتصب أرض أولاده، وهذا لا يقلقه أيضا. ضريح أجداده وتراث أولاده يقع في النسيان. يتصرف مع أمه، الأرض، وأخيه، السماء، وكأنها أشياء تشترى، وتنهب، أو تباع كما الخراف أو الجواهر اللامعة. شهيته سوف تفترس الأرض وسوف لن تترك وراءه سوى الصحراء.
أنا لا أعلم. عاداتنا تختلف عن عاداتكم. منظر مدنكم يسبب الأذى لعيون الرجل الأحمر. ولكن، من الممكن لأن الرجل الأحمر متوحش ولا يفهم.
لا يوجد مكان هاديء في مدن الرجل الأبيض. لا وجود لموضع يتيح سماع الأوراق وهي تجري نحو الربيع، ولا لسماع صوت أجنحة حشرة وهي تطير. ولكن هل هذا لأني متوحش ولا أفهم؟ الضوضاء تبدو وكأنها وجدت فقط لاهانة الآذان. وأي فائدة من الحياة اذا كان الانسان لا يمكنه سماع الصوت المتفرد للنسر، أو لسماع النقاش الممل للضفادع حول مستنقع في الليل. أنا رجل أحمر ولا يفهم. الهندي يفضل الصوت اللطيف للهواء الذي يهب فوق المستنقع، ورائحة هذا الهواء نفسه، المغسول بمطر الظهيرة أو المعطر بالصنوبر المسنن.
الهواء ثمين عند الرجل الأحمر، لأن كل الأشياء تشترك بنفس الشهيق: الحيوان، الشجرة والإنسان كلهم يتنفسون نفس الهواء. ويظهر أن الرجل الأبيض لا يلاحظ الهواء الذي يتنفسه. وكأنه رجل بحاجة الى عدة أيام للتخلص من هذا الهواء. انه غير حساس للنتانة. ولكن إذا نحن بعناك أرضنا، عليك أن تتذكر أن الهواء نفيس بالنسبة لنا وأنه يشترك بروحه مع كل من يعطيهم الحياة. الهواء الذي أعطى جدنا الأول شهيقه الأول قد تلقى منه زفرته الأخيرة. وإذا نحن بعنا لك أرضنا، عليك أن تحتفظ بها جانبا، وأن تعتبرها مقدسة، وكأنها مكان، يمكن حتى للرجل الأبيض أن يذهب اليه ويتذوق الهواء المعطر بأزهار الحقول.
نحن نثمن منحتك، بأنك ستشتري أرضنا. ولكن إذا قررنا القبول، فسوف أضع شرطا: على الرجل الأبيض أن يعتبر الحيوانات كاخوة له.
أنا متوحش ولا أعلم أسلوبا آخر للحياة. رأيت آلافا من الثيران الفاسدة في البرية، متروكة من الرجل الأبيض بعد أن قتلها بواسطة القطار الذي كان يمر من هناك. أنا متوحش ولا أفهم كيف أن الحصان الحديدي هو أهم من الثور الذي لا نقتله نحن الا ليستمر.
ما قيمة الانسان من غير الحيوان؟ اذا اختفت جميع الحيوانات، يموت الانسان بسبب وحشة روحه الكبيرة. لأن ما يحصل للحيوانات يحصل للانسان أيضا. كل الأشياء تتحد.
عليك أن تعلم أولادك أن الأرض التي يطأها مصنوعة من بقايا أجدادنا. حتى يحترموا الأرض، قل لأولادك بأن الأرض مزودة بحيوات جنسنا. علم أولادك ما علمناه لأولادنا، أن الأرض هي أمنا. كل ما يحدث للأرض يحدث لأولاد الأرض. اذا بصق الناس على الأرض، يبصقون على أنفسهم.
نحن نعلم على الأقل ما يلي: الأرض لا تنتمي للانسان، انما الانسان ينتمي الى الأرض. هذا ما نعلمه نحن. كل الأشياء تتحد كما الدم الذي يوحد العائلة الواحدة. كل الأشياء تتحد.
كل ما يحصل للأرض يحصل لأبناء الأرض. ليس الانسان هو من نسج لحمة الحياة، انما هو خيط منها. كل ما يفعله لهذا النسيج انما يصنعه لنفسه.
حتى الرجل الأبيض، الذي يتحدث معه الإله كما يتحدث صديقان معا، لا يمكنه التخلص من المصير المشترك. بعد كل شيء من الممكن أن نكون اخوة. سوف نرى جيدا. يوجد شيء نعرفه نحن، وربما سيكتشفه يوما الرجل الأبيض، هو أن الهنا وإلهه واحد. ربما تفكر بأنك سوف تمتلكه كما تفكر بامتلاك أرضنا ولكن لا يمكنك ذلك. اته اله الانسان، ورحمته هي واحدة للرجل الأحمر والأبيض. هذه الأرض بالنسبة له شيء نفيس، والتسبب بالأذى لها يعني احتقار مبدعها. البيض سوف يزولون أيضا، ربما أبكر من غيرهم من الأجناس الأخرى. لوث سريرك وسوف تختنق في احدى الليالي بين مخلفاتك أنت. ولكن وأنت ميت، سوف تلمع مع بريق قوي بفضل قوة الاله الذي جاء بك الى هذه الأرض ولأهداف خاصة جعلك تسود عليها وعلى الرجل الأمر. هذا المآل هو عجيب بالنسبة لنا، لأننا لا نفهم عندما تقتل جميع الثران، والأحصنة البرية تروض، والزوايا السرية في الغابة المفعمة برائحة الكثير من الرجال ومنظر التلال المليئة بالأزهار مغشاة بأسلاك تتحدث.
أين الأجمة؟ اختفت. اين النسر؟ اختفى. هي نهاية الحياة وبدء البقاء.
المصدر: مجلة L’ECOLOGISTE Vol. 4 – N 1 – Février 2003


ترجمة تطوعية: حسن ملاط

...................................................................................................................
1 –
رئيس الهنود السوكواميش وجه حديثا سنة 1854 لأحد الموظفين الأميركيين المكلف بالقضايا الهندية و بتنفيذ "مبادلات الأراضي". الأثر الأقدم المكتوب لهذا الحديث كان مدونة، عبر ملاحظات مأخوذة سنة 1854 و منشورة في Seattle Sunday Star في 29 تشرين الأول، 1887 بواسطة Henri Smith . النص المنشور هنا هو الترجمة الأجمل و الحرة لهذا المستند الأخير، و لكنه المحتفظ بروحية المستند المكتوب من قبل السيناريست Ted Perry لحاجات الصياغة السينمائية في السبعينات من القرن الماضي. يمكنكم الحصول على النص الأصلي ل Henri Smith على موقع قبيلة السوكواميش على الانترنيت. ويمكنكم الحصول على نصوص أخرى أيضا: www. suquamish.nsn.us.

مرسلة بواسطة فكر وتربية في 12:45 م  

التسمياتسياسة

 

ليست هناك تعليقات: