الاثنين، 23 نوفمبر 2009
حول
"االيسار وحزب الله والمقاومة"
كتب السيد "سلامة كيلة" في "السفير"
تاريخ 21 – 11 – 2009 مقالة رد فيها على مقالة كتبها صديقه قاسم عز الدين. وحيث أن
هذه المقالة قد نشرت فقد أصبحت ملك القارئين مما يسمح لنا بالتعليق عليها من غير
حرج.
سوف أبدأ من حيث انتهى الأستاذ "سلامة" حيث يقول:
"ربما كانت هناك مشكلات كثيرة يعاني منها اليسار، وهو يعيش أزمة عميقة، لكن
سنلمس بأن أحد أسباب أزماته هو هذه النظرة التي لا زال الصديق قاسم يتمسك بها، لا
أقصد طبعاً دعم المقاومة بل أقصد الانسياق إلى الدعم المطلق، ورفض كل نقد، وتبرير
كل سياسة. فقدسية المقاومة لا يجب أن تحجب كل المشكلات التي تعيشها القوى التي
تمارس المقاومة".
ليت أن مشكلة اليسار هي كما عبر عنها
الأستاذ"سلامة"، ولكن مشكلته الحقيقية أنه يعيش في عالم صاغه لنفسه وراح
يقنع الناس أن هذا العالم هو العالم الواقعي. وهذا يذكرنا بكلام جميل ل"فريد
زكريا" في أحد مقالاته حيث يتساءل "ما العمل؟ فيجيب: العالم الجديد يملي
علينا خياراتنا". محق "فريد زكريا" فيما قاله ولكن اليسار لم يفقه
أن العالم قد تغير وأن تغيره يفرض علينا خياراتنا.
يقول السيد "كيلة": "ثم إن كل الأمور المطروحة
الآن في مواجهة حزب الله لم تكن مطروحة من قبل اليسار قبل سنة 2000، وحتى 2004
ربما، حيث كانت المقاومة هي الممارسة الأساس للحزب، وكانت مؤيدة من قبل هذا
اليسار. لكن اختلف الأمر بعد أن بات الحزب يشارك في السلطة، ولديه أجندة داخلية،
وهو الأمر الذي فرض تناول البرنامج الاقتصادي للحزب. وهنا كانت سياسته تقوم على
دعم البرنامج الليبرالي للحريري الأب، وفي الحكومات التي شارك فيها. وهذا ليس
مستغرباً على حزب يتبنى أيديولوجية شيعية تلتزم ولاية الفقيه، لأن السياسة
الاقتصادية التي تمارس في إيران هي سياسة ليبرالية بامتياز، وهي ككل الليبراليات
التي نعرفها في الوطن العربي. وهذا أمر طبيعي لأن تلك الأيديولوجية تنطلق من
التحرر الاقتصادي".
ثم يضيف: "هذه مسائل هي جزء من تكوين الحزب، ولا نقولها
من موقع الإدانة، فهو حق وتعبير عن مصالح طبقية لفئات اجتماعية، وبالتالي لا ينتقص
من الدور المقاوم للحزب. وما دامت المقاومة مستمرة فمن الضروري أن تكون أساس
العلاقة تنسيق نشاط المقاومة. لكن حين يصبح النشاط هو الصراع في إطار الدولة
اللبنانية، ومن أجل خيارات مختلفة، لا يعود التوافق على المقاومة هو محدِّد
العلاقة، لأننا هنا إزاء تناقضات طبقية، وخيارات طبقية، لا يلغيها التوافق على
المقاومة ضد الاحتلال. وهذا أمر «طبيعي» كذلك، حيث أن القوى المتوافقة على
المقاومة هي مختلفة حول الخيارات الاقتصادية والاجتماعية، وحول طبيعة السلطة".
فهمنا مما تقدم أن ما يضير اليسار هو الفئات الطبقية التي
يمثلها "حزب الله". فاليسار يؤيد مقاومة الحزب ويلوم الحزب على أنه يؤيد
ولاية الفقيه التي تتبع برنامجاً ليبيرالياً في ايران.
من هنا فان الصراع الطبقي يحتم علينا أن نتخذ موقفاً طبقياً
من حزب الله. وحيث أن الشيء بالشيء يذكر أنا لم أجد في مقالة قاسم عز الدين ما
يوحي بضرورة تأييد موقف حزب الله الاقتصادي الاجتماعي لأن الحزب لم يبلور برنامجاً
اقتصادياً اجتماعياً متكاملاً.
أما الحديث عن الصراع الطبقي فهو حديث ليس له علاقة في الواقع
الذي تعيشه بلادنا. السيد كارل ماركس يتحدث عن التناقضات ويحدد أن هناك دائماً
تناقضاً رئيسياً تخضع له (لمقتضياته) التناقضات الثانوية. ففي مرحلة التحرر الوطني
رأينا الحزب الشيوعي الصيني يتحالف مع الكيومنتانغ لمحاربة الاستعمار الياباني مع
علم ماو تسي تونغ أن هذا الحزب يمثل الرأسمالية المعادية للحزب الشيوعي ومن يمثل.
فهو اعتبر أن التناقض مع الرأسمالية الوطنية هو ثانوي إزاء الاستعمار الياباني
المفروض محاربته. وفي لبنان يعتبر حزب الله أن التناقض مع الاستعمار الاستيطاني
الصهيوني هو التناقض الرئيسي. لذلك يُخضع جميع التناقضات الأخرى لهذا التناقض. وهو
محق في هذه النظرة.
أما إذا أحببنا أن ننظر إلى بلادنا وهي تعيش في ظل العولمة
الليبيرالية أو النيوليبيرالية فالنظرة تختلف نسبياً. ففي ظل هذه العولمة لا حياة
إلا للكتل الكبرى. فالتحدث عن المجتمع اللبناني أو المجتمع المصري أو الايراني هو
كما التحدث عن نقطة في بحر. من هنا ضرورة التحدث عن التحرر من الخضوع لهذه العولمة
بصيغة تتناسب مع مقتضيات النضال ضد هذه العولمة. أي أن من شروط التحرر هو الاتجاه
نحو تشكيل كتلة كبرى تملك إمكانية الحياة في هذا العالم: كتلة تتألف من الدول
العربية وتركيا وايران، كتلة تملك جميع مقومات الحياة بمعزل عن العالم بأسره. كتلة
تفكر بمقايضة الطاقة بالتقنية وليس بالدولار. فالعولمة تخضعك إما بالدولار وإما
بالسلاح. لذلك نحن لانرى بأن الاتحاد الأوروبي يمكنه أن يشكل كتلة من دون روسيا.
فروسيا تملك الطاقة والقوة والاتحاد الأوروبي يملك التقنية والمال... كما ويمكننا
أن نتصور أن العالم لن يكون آحادي القطبية، بل هناك امكانية لتشكل عدة كتل كبرى:
أمريكا، الصين واليابان، الهند، أمريكا الجنوبية والوسطى، الاتحاد الأوروبي وروسيا
والبلاد العربية والاسلامية...
في ظل العولمة النيو ليبرالية هناك أمم مضطهدة بجميع طبقاتها.
سوف نجد بعض الأفراد في الطبقات البورجوازية من يخدم العولمة لارتباطه بها ولكن
ليس الطبقة بمجموعها. من هنا فالصراع الطبقي يأخذ مظهراً آخر، مظهر شبيه بذلك الذي
تحدثنا عنه في مرحلة التحرر الوطني.
تبعاً لما تقدم نرى أن من الضرورة بمكان أن نولي حزب الله
كامل دعمنا لمحاربته إسرائيل بالنيابة عن اليسار وبالنيابة عن الأمة العربية
والاسلامية، ونناضل بالاشتراك معه لبلورة مشتركة لبرنامج اقتصادي اجتماعي يأخذ
بعين الاعتبار جميع ما تقدم. ونقول للأستاذ "كيلة" أن الممارسة هي التي
تفيد وليس إملاء الدروس مهما كانت بليغة. يُروى أنه في صلح الحديبية الذي أمضاه
النبي صلى الله عليه وسلم مع المشركين، طلب النبي من الصحابة أن يحلقوا رؤوسهم،
فلم يستجيبوا له. راح محزوناً إلى زوجه أم سلمة وروى لها ما حصل. قالت له أخرج
واحلق أمامهم. فما أن فعل حتى فعلوا جميعاً.
حسن ملاط
مرسلة
بواسطة فكر وتربية في 7:51 ص
التسميات: سياسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق