لِمَ الحديث عن النازحين السوريين؟

 

          

حسن ملاط

 

إثارة موضوع النازحين السوريين بالشكل الذي طُرح فيه، لم تأت عن عبث، فهي تأتي في ميعاد مخطط له ينسجم مع الوضع الإقليمي وتطوراته أكثر من تعلقه بالوضع الداخلي اللبناني.

عن النزوح وظروفه

   لم يحدث النزوح من المناطق التي وقع فيها القتال بين النظام وحلفائه فقط، إنما كان من مناطق رأى النظام وحلفاءه ضرورة أن تكون نظيفة من الغلبة الطائفية والمذهبية بما يتوافق مع ما طرحه رئيس النظام السوري بعد دخول القوات الروسية بكثافة للمشاركة في معركة دعم النظام عقب ظهور ضعفه وحلفاءه الإيرانيين لامكانيتهم على تحقيق النصر على أعداء النظام.

   ما طرحه رئيس النظام هو الدفاع عما أسماه يومها ب"سورية المفيدة" والتي تمتد على الساحل السوري وصولاً الى دمشق عبر ريف حمص والممتد الى دمشق وريفها المجاور للأراضي اللبنانية في منطقة القلمون السورية.
   وبما أن الأراضي السورية المجاورة للأراضي اللبنانية يغلب على سكانها المذهب السني كما جيرانهم من اللبنانيين. وبما أن هذه الكثافة السكانية السنية لا تنسجم مع الخارطة المذهبية لسورية المفيدة التي يجب أن يكون سكانها خليط طائفي ومذهبي لا يتمتع به أي فريق بالغلبة الطائفية أو المذهبية (أقليات)، لذلك وجب أن تصبح الطائفة السنية أقلية مثل باقي الطوائف والمذاهب. والحل الوحيد هو تهجير هؤلاء الى خارج "سورية المفيدة". وكان الأسهل هو تهجير هؤلاء الى الأراضي المتاخمة أي لبنان: عكار خاصة، والذي يغلب على سكانها المذهب السني وكذلك عرسال. هذا لم يمنع من تهجيرهم الى مناطق مسيحية مثل القاع على سبيل المثال، او رأس بعلبك في البقاع الشمالي.
وما يؤكد هذا التوجه هو تهجير أهل الزبداني وريف دمشق الى ادلب في الشمال السوري البعيد عن الحدود اللبنانية السورية.

لماذا طرح مشكلة النازحين؟

بعد الاتفاق الإيراني – السعودي، أصبح لزاماً على الطرفين النظر الى جميع الساحات التي يتقاطعون فيها. هذه الساحات هي اليمن، العراق، سورية والخليج.

وحيث أن سورية هي الساحة الرئيسية التي تؤمن لإيران تواجدها في الساحة المتاخمة للعدو الصهيوني، وحيث أن الذراع الأهم الذي تتكل عليه ايران في تواجدها العسكري على الحدود الفلسطينية هو حزب الله، أصبح من الضروري تأمين ساحة مناسبة لتواجد الحزب.
إن وجود حوالي مليون ونصف المليون من السوريين والذين يغلب عليهم طابع مذهبي معين لا ينسجم مع التوجه الطائفي للحزب، يمكن أن يُشكل عائقاً فعلياً أمام تحرك الحزب في الساحة الداخلية. هذا أولاً.
أما ثانياً، فالمحافظة على الطابع العام لسورية المفيدة (أقليات) يستوجب عدم عودة هؤلاء النازحين الى قراهم التي طُردوا منها والمتاخمة للحدود اللبنانية. من هنا نرى أن مشكلة النازحين ليست مشكلة لبنانية فقط، إنما هي مشكلة سورية- إيرانية أيضاً من حيث مستقبل سورية ديموغرافياً.

هذا هو سبب التعقيد في مشكلة اللاجئين. فما هو الحل إذن؟

الجواب البديهي هو اعادتهم الى ممتلكاتهم!
هذه الإجابة تعني أن كل ما قدمه النظام وحلفاءه من ضحايا ذهب هدراً. وهذا ما لا يمكن القبول به.
أما بقاءهم في لبنان ليس أقل خطورة من عودتهم الى قراهم، لذا هذا الضغط الذي يبدو من دون أفق هو لمعاملتهم كما تم التعامل مع أهل الزبداني وريف دمشق، أي تهجيرهم الى الشمال السوري.
وبذلك، بدلاً من أن تكون مشكلة النازحين قضية إيرانية حزباللهية، تصبح مشكلة تركية. وبذلك تحافظ سورية المفيدة على طابعها الأقلوي ويصبح التواصل بين سورية ولبنان آمناً عبر الحدود الشمالية والشرقية!

خلاصة
عندما ننظر الى مشكلة النزوح السوري بمضمونه الصحيح، نعلم لماذا طُرحت هذه القضية بصوت عال وبنفس طائفي ومذهبي بغيض. القصد منها هو إجبار المجتمع الدولي على تهجير النازحين خارج أراضي سورية المفيدة.

                                 القلمون في 7 أيار/مايو 2023